إيران: هل هي فعلًا الشر الأخطر والعدو الأوحد يهدد العالم؟

تفكيك الرواية الغربية ومصالح العداء المصنوع:

في كل مرة تشتعل فيها التوترات في الشرق الأوسط، تتجه كاميرات الإعلام الغربي، وتصريحات الساسة، وتحليلات "الخبراء"، إلى جهة واحدة: إيران.
تُصوَّر إيران وكأنها العدو المطلق، محور الشر، مصدر الخطر الوجودي، ومهدّد النظام العالمي. لكن خلف هذا الإجماع الإعلامي والسياسي الصاخب، يقف سؤال بسيط لا أحد يطرحه: هل تستحق إيران فعلًا كل هذا؟


العدو الذي لا يُسمح له أن يكون غير عدو

منذ أن نَعتها جورج بوش عام 2002 بأنها ضمن "محور الشر"، أصبحت إيران هي الحائط الذي تُعلَّق عليه كل توترات المنطقة.
سواء تدخلت أو لم تتدخل، طوّرت برنامجًا نوويًا أو التزمت بالاتفاق، دعمت الحلفاء أو انسحبت... فإن الصورة المرسومة ثابتة لا تتغير:

إيران تهدد العالم، تتدخل في شؤون العرب، تسعى للهيمنة، تصدّر الإرهاب، وتبني قنبلة لتدمير إسرائيل.

لكن إذا تركنا الرواية الإعلامية جانبًا، ونظرنا في الوقائع المجردة، فإننا لا نجد قوة عظمى مهيمنة، بل دولة محاصرة، محاطة بقواعد أمريكية، تتعرض لعقوبات منذ 40 عامًا، واقتصادها مثقل بالضغوط، وشعبها يعيش في ظروف خانقة.

بل إنّ كل "توسّعات" إيران الإقليمية جاءت بعد الفراغات التي صنعتها الولايات المتحدة نفسها:

  • في العراق بعد إسقاط صدام.
  • في سوريا بعد دعم المجموعات المسلحة.
  • في اليمن بعد انهيار الدولة.

ما فعلته إيران هو أنها ملأت الفراغ الذي تركه الآخرون، لا أكثر. لكنها حُوسبت كما لو أنها هي من فجّر العالم.


لماذا إذًا هذا العداء المصنوع؟

في عالم السياسة، لا يُصنَّع "الشيطان" لأفعاله، بل لأدواره الوظيفية.
والشيطان الإيراني يخدم أهدافًا استراتيجية للولايات المتحدة والمنظومة الغربية، من أبرزها:

1. تبرير الوجود العسكري

دون خطر "إيراني داهم"، لا مبرر لبقاء آلاف الجنود الأمريكيين في الخليج، ولا لاستمرار قواعد عسكرية تطوّق المنطقة من قطر إلى البحرين.

2. تسويق السلاح

الخطر الإيراني ضرورة تجارية. مليارات الدولارات من صفقات السلاح تمرّ عبر بوابة الخوف من طهران. كل طائرة حربية تُباع، وكل منظومة باتريوت تُنشر، تُبرَّر بإيران.

3. ضبط الإقليم تحت مظلة أمريكية

الخطر الإيراني يوحّد المتناقضين (إسرائيل، السعودية، الإمارات) في خندق واحد، ويمنع تفكك التحالفات الإقليمية أو انفتاحها نحو خيارات مستقلة.

4. منع صعود نموذج سياسي مغاير

مهما اختلفنا مع النظام الإيراني داخليًا، إلا أنه لا يخضع للهيمنة الغربية، ويمتلك قرارًا مستقلًا نسبيًا، ويقدم نموذجًا سياسيًا دينيًا-جمهوريًا لا يُناسب سردية "نهاية التاريخ" الليبرالية. لذلك، وجوده بذاته مزعج للنظام الدولي.


لماذا لا يُرى الآخرون كـ "شر"؟

  • إسرائيل تملك سلاحًا نوويًا خارج رقابة الوكالة الدولية.
  • أمريكا غزت العراق، ودمرت ليبيا، ودعمت الانقلابات، ولا تزال تحتل أجزاءً من سوريا.
  • السعودية قادت حربًا على اليمن دمّرت خلالها البنية التحتية، وخلقت أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
  • الإمارات مولت ميليشيات، وشاركت في حصار شعوب.

لكن أحدًا منهم لا يُقدَّم كتهديد للسلام العالمي، ولا كعدو للإنسانية.
الخطر دائمًا... إيران.


إيران: دولة أم سردية وظيفية؟

السؤال الحقيقي ليس: "ماذا تفعل إيران؟"
بل: "لماذا تُستخدم إيران؟"

إنها الدولة التي يجب أن تبقى:

  • قوية بما يكفي لتبرير وجود الخطر.
  • وضعيفة بما يكفي كي لا تُسقِط النظام العالمي.

إنها "الشرّ المريح"، الذي تسمح الرواية الغربية بشيطنته دون تكلفة أخلاقية أو مساءلة سياسية.


خلاصة نقدية

العداء لإيران ليس ناتجًا عن تقييم عقلاني للواقع، بل عن هندسة متعمدة لصورة العدو.
وقد لا تكون إيران بريئة تمامًا من كل الاتهامات، لكنها بالتأكيد ليست الشيطان الوحيد في المنطقة، ولا تستحق هذا الإجماع القاسي الذي يُعمّق الانقسام، ويحول المنطقة إلى ساحة دائمة للتوتر.

ربما حان الوقت لننظر إلى إيران، لا كـ"محور شر"، بل كـ مرآة تكشف ازدواجية الخطاب، واحتكار تعريف الأخلاق من طرف واحد.

أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال