بين الرضا والتغاضي: هل كانت قطر شريكًا صامتًا في ضربة العديد؟

حين قررت إيران أن تردّ على القصف الأمريكي لمواقعها النووية في يونيو 2025، لم تتجه إلى العراق، ولا إلى الجولان، بل إلى قطر. تحديدًا: قاعدة العديد الجوية، القلب النابض للعمليات الأمريكية في المنطقة. لكن الضربة، التي هزّت الحسابات العسكرية، مرّت دون ضجيج سياسي قطري. لا بيانات استنكار، ولا مؤتمرات طارئة، فقط صمت مريب. فما الذي يعنيه هذا الصمت؟ وهل كان القصف مفاجئًا للدوحة، أم جزءًا من تفاهمات غير معلنة؟

في عالم العلاقات الدولية، الصمت في لحظة الانفجار لا يكون حيادًا... بل في أحيان كثيرة يكون موقفًا.


ما الذي نعرفه؟

  • الهجوم الإيراني على قاعدة العديد جاء ردًّا على عملية عسكرية أمريكية خاطفة داخل إيران.
  • معظم الصواريخ تم اعتراضها، ولم تقع إصابات أو أضرار تُذكر.
  • تقارير استخباراتية غربية تحدثت عن أن الولايات المتحدة علمت بالهجوم قبل وقوعه بساعات.
  • مصادر مطّلعة ألمحت إلى أن إيران مررت إشارات إلى جهات خليجية قبيل القصف، بما في ذلك تحذيرات غير مباشرة إلى قطر.

النتيجة: ضربة محسوبة من إيران، وصمت محسوب من قطر.


من الحياد إلى التغاضي

تتبنى قطر منذ سنوات سياسة "التوازن المرن" في علاقتها بالقوى الإقليمية:

  • فهي تستضيف القاعدة الأمريكية الكبرى في المنطقة.
  • وتحتفظ بعلاقات عمل هادئة مع إيران، خصوصًا بعد أزمة الحصار الخليجي.
  • وتظهر في كثير من الأحيان بمظهر الوسيط لا الطرف.

لكن حين يُقصف هدف أمريكي على أراضيك من قِبل دولة تُصنَّف عدوًا لواشنطن، فإن السكوت ليس فقط خيارًا دبلوماسيًا، بل موقفًا ضمنيًا. والفرق هنا بالغ الدلالة: الحياد هو أن ترفض أن تكون جزءًا من الصراع، أما التغاضي فهو أن تدرك ما سيحدث وتدع الأمور تأخذ مجراها، طالما أن الرسالة لا تُوجَّه إليك.


هل كانت قطر على علم مسبق؟

لا يمكن الجزم، لكن الاحتمالات المدعومة بالمعطيات تشير إلى الآتي:

  • إيران لم تكن تبحث عن خسائر بشرية، بل عن رسالة استراتيجية.
  • إسقاط معظم الصواريخ وفّر لقطر والولايات المتحدة مخرجًا سياسيًا آمنًا: "حدث ولم يصب أحد".
  • قطر لم تندّد، ولم تُشر إلى خرق سيادتها، بل تعاملت مع القصف كأنه جزء من توازن أكبر تفهمه وتقبله ضمنيًا.

بكلمة أدق: قطر ربما لم توافق، لكنها لم تعترض. وربما لم تُبلّغ رسميًا، لكنها تلقت إشارات كافية لتفهم أن الحدث سيقع دون أن يمسها مباشرة.


ساحة لا لاعب؟

المفارقة الكبرى أن القاعدة المُستهدفة أمريكية، والمُهاجم إيراني، والأرض قطرية... لكن قطر بدت كأنها ليست طرفًا في المعادلة. وهذا يفتح سؤالًا أشد حرجًا:

هل أصبحت الدول الصغيرة التي تستضيف قواعد أجنبية ساحةً لتبادل الرسائل بين القوى الكبرى دون إرادتها؟
أم أن "السكوت" في هذه الحالات هو جزء من صفقة غير معلنة تضمن استمرار التوازن الهش؟

ربما لا أحد في الدوحة يريد الإجابة الآن. فالإجابة تعني الاعتراف بالهشاشة الاستراتيجية لسيادة الدولة في زمن القواعد العسكرية.


الخلاصة:

قصف إيران لقاعدة العديد لم يكن فقط رسائل بالنار إلى واشنطن، بل اختبارًا للصمت القطري. وقد اجتازته قطر بكفاءة الصمت لا الحياد. فبين الرضا والتغاضي شعرة... لكن في السياسة، تلك الشعرة تصنع الفارق بين الدولة التي تفاجَأ، والدولة التي تراقب بصمت لأنها تعلم.

*
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال