
هل الوجود الأمريكي في الخليج ما زال يحميه؟
أم أنه صار مصدر خطر دائم، ومغناطيسًا للصواريخ؟
حين قصفت إيران قاعدة العديد في قطر، لم يكن الهجوم موجّهًا للدوحة، بل لواشنطن. لكن الأرض التي اشتعلت كانت خليجية. وهذه ليست المرة الأولى، بل حلقة جديدة في سلسلة طويلة من التوترات التي تنفجر في ساحات الحلفاء لا في عواصم القوى الكبرى.
قواعد أمريكية... على أراضٍ ليست أمريكية
الولايات المتحدة تملك وجودًا عسكريًا في:
- قطر (قاعدة العديد – الأكبر في الشرق الأوسط)
- البحرين (الأسطول الخامس)
- الكويت (قواعد متقدمة)
- السعودية والإمارات (بمستويات أقل)
لكن كل هذه القواعد تقع على أراضٍ لا تملك قرار إشعال المعركة ولا إيقافها. بمعنى أوضح:
- واشنطن تُقرر متى تضرب.
- وأعداؤها يُقررون أين يردّون.
- والنتيجة: أرض الخليج تتحول إلى ساحة رسائل لا مركز قرار.
حماية... بشروط أمريكية
حين تستضيف دولة خليجية قاعدة أمريكية، يُفترض أن ذلك يمنحها "مظلة ردع". لكنها مظلة مشروطة:
- تحميك إذا طالتك النيران، ولكن بعد أن تشتعل.
- تردّ إذا قرّرت واشنطن أن التوقيت مناسب.
- وتنسحب إن رأت أن مصالحها لم تعد مربحة.
أي أن الوجود العسكري الأمريكي لا يُدار بمنطق الدفاع عن الدول المضيفة، بل بمنطق:
"وجودنا في أرضك جزء من استراتيجيتنا، لا من أمنك."
والدليل؟ حين قصفت إيران قاعدة العديد، كانت الرسالة لواشنطن، والقرار بيدها. أما قطر، فكان مطلوبًا منها أن تصمت.
الخليج بين المطرقة والسندان
- المطرقة: الضربات الأمريكية أو الإسرائيلية التي تُطلق من القواعد الخليجية.
- السندان: الردود الإيرانية أو غيرها التي تستهدف تلك القواعد ردًّا.
في هذا المشهد، تتكرّس معادلة مقلقة:
كلما تعاظم الوجود العسكري الأمريكي في دولة خليجية، ازدادت احتمالية تحوّلها إلى ساحة نيران غير مُختارة.
وهو ما يُفرّغ مفهوم "السيادة" من معناه، ويحوّل الدول المستضيفة إلى مخازن خطر مؤجل.
الإعلام الغربي: حارس السردية، لا الحقيقة
من اللافت أن وسائل الإعلام الغربية غالبًا ما تروّج لفكرة أن القواعد الأمريكية "تحمي" دول الخليج. لكن نادرًا ما يُسأل:
- من يحمي هذه الدول إذا تحوّلت القواعد إلى أهداف؟
- من يُسائل واشنطن إن قررت بدء معركة من أرض غيرها؟
- وماذا إن قرر العدو أن يضرب، بينما واشنطن تختار الصبر أو الانسحاب؟
السردية السائدة تُخفي الحقيقة البسيطة:
الوجود العسكري لا يعني الحماية، بل قد يعني الاستدراج.
الخلاصة:
الوجود الأمريكي في الخليج ليس مظلة دائمة، بل مؤقتة واستراتيجية، وتُدار من الخارج. وحين تبدأ النار بالاشتعال، لا تُصاب القواعد وحدها، بل الدول التي تحتضنها، عن وعي أو عن ضعف.
لذا فإن السؤال الحقيقي الذي يجب أن يُطرح في العواصم الخليجية ليس:
"كيف نحافظ على الوجود الأمريكي؟"
بل:
"هل هذا الوجود ما زال يحفظ أمننا، أم يُعرّضنا لحرائق لا نملك قرار إشعالها أو إطفائها؟"