
ماذا لو قررت الولايات المتحدة الانسحاب فجأة؟
أو أبقت وجودها ولكن من دون أن تحمي؟
أو قررت الدخول في حرب من أراضي الحلفاء دون العودة إليهم؟
الإجابة عن هذا السؤال لا تقود إلى القلق فقط، بل إلى حقيقة مُرّة:
الاعتماد المطلق على القوة الأمريكية هو خطر مؤجل، لا ضمان مستقبلي.
لكن... ما البدائل الحقيقية المتاحة أمام دول الخليج؟ وهل يمكن فعلاً الخروج من العباءة الأمريكية دون الدخول في عباءة أخرى؟
البديل الأول: التسلح المستقل… وهم القوة
الخطاب السياسي الخليجي غالبًا ما يروّج لفكرة "الاستقلال الدفاعي عبر التسلح المتقدم"، وهو وهم استراتيجي لسببين:
- معظم الأسلحة تُشترى من أمريكا والدول الغربية، بشروط تحكّم إلكتروني، وتقييد لقطع الغيار.
- غياب التصنيع العسكري المحلي الحقيقي يجعل الجيوش الخليجية مرتبطة عضويًا بالقرار السياسي للجهة المصنّعة.
بكلمة أوضح: السلاح المستورد لا يصنع استقلالًا، بل يُقنّن التبعية.
حتى ولو كان المخزون مليئًا بالصواريخ والدبابات.
البديل الثاني: التحالفات الإقليمية… عبء أكثر منه توازن
دعوات "تحالف خليجي دفاعي مستقل" لم تتجاوز حتى اليوم حدود المؤتمرات. والسبب:
- تفاوت الأجندات الأمنية بين دول الخليج (بعضها يرى إيران عدوًا وجوديًا، وآخر يرى فيها جارًا يمكن التفاهم معه).
- انعدام الثقة العسكرية المتبادلة، وضعف التنسيق العملياتي.
- والفراغ السياسي العربي منذ سقوط العراق وسوريا وليبيا، مما جعل الخليج معزولًا استراتيجيًا في محيطه الجغرافي.
النتيجة: لا تحالف حقيقي بدون إرادة سياسية موحدة، ولا إرادة موحدة دون رؤية استراتيجية واحدة… وهي غائبة.
البديل الثالث: التفاهم مع القوى الإقليمية (إيران وتركيا)
بعض الأصوات تطرح فكرة "التوازن من الداخل"، أي إقامة علاقات استراتيجية غير عدائية مع قوى الجوار (مثل إيران وتركيا)، بدلاً من الاعتماد على قوى بعيدة.
هذا الطرح يتطلب:
- تجاوز العقدة الطائفية في التعامل مع إيران.
- الاعتراف بتشابك المصالح لا القطيعة الأبدية.
- إعادة تعريف مفاهيم "العدو" و"الجار" خارج القاموس الأمريكي.
لكن هذا الخيار محفوف بالمخاوف الأمنية، ويصطدم بـ:
- تحفظات شعبية داخل بعض دول الخليج.
- نفوذ أمريكي راسخ يعارض أي تقارب استراتيجي مع إيران أو روسيا.
ومع ذلك، يبقى الخيار الإقليمي الحقيقي الوحيد على الطاولة إذا أُريدَ للخليج أن يتحرر من كونه مجرد ميدان حرب بين قوى لا يعيش أيٌّ منها على هذه الأرض.
البديل الرابع: الحياد الاستراتيجي… أصعب خيار، وأقواه
تجربة بعض الدول الصغيرة (مثل عُمان أو ماليزيا أو سويسرا) تُظهر أن الحياد الذكي ممكن، لكن بشروط:
- سياسة خارجية متزنة، لا تتبع محورًا بعينه.
- رفض القواعد العسكرية الأجنبية على الأرض، أو تقنينها بشدة.
- علاقات اقتصادية مع جميع الأطراف، دون ارتهان لأحدها.
هذا النموذج هو الأصعب في الخليج، لكنه الأكثر ضمانًا للسيادة الوطنية.
ليس لأنّه يُجنّب الصدامات، بل لأنه يسحب الذريعة من الجميع.
الخلاصة:
البدائل الواقعية للوجود الأمريكي في الخليج ليست سهلة، لكنها موجودة. والمشكلة ليست في غياب البديل، بل في غياب الإرادة السياسية لتحمّل كلفة القرار المستقل.
العباءة الأمريكية وفّرت حماية آنية، لكنها عطّلت نمو السيادة الدفاعية، وجعلت الخليج ساحة لا لاعبًا.
السؤال لم يعد: "هل نخرج من العباءة؟"
بل:
"متى ندفع ثمن بقائنا تحتها؟"