غزة: المجزرة التي كشفت سقوط الحضارة الغربية

في قلب القرن الحادي والعشرين، وعلى مرأى العالم، تُباد مدينة بأكملها، تُسحق تحت القصف اليومي، وتُدفن فيها أجساد الأطفال والنساء تحت الركام، دون أن تتحرك “الضمائر الحيّة” المزعومة، أو تهتز “القيم الغربية” التي طالما تغنّى بها منظّرو حقوق الإنسان.

ما يجري في غزة ليس فقط مجزرة، بل فضيحة كونية كاملة الأركان. فضيحة لمنظومة دولية نُصبت على عروش الأخلاق، بينما تقف عاجزة – أو بالأحرى متواطئة – أمام جرائم إبادة جماعية تُرتكب بوقاحة وعلى الهواء مباشرة. تتغنّى العواصم الغربية بـ"الحرية"، وتبكي على "حقوق الإنسان"، لكنها تنحني لإرادة القاتل إذا كان "حليفًا استراتيجيًا" أو "امتدادًا وظيفيًا" لهيمنتها.

ازدواجية صارخة: لماذا يُسمح للجلاد أن يُكمل مهمته؟

في أوكرانيا، تتحرك الآلة الغربية بكل قوتها، تُفرض العقوبات، تُشن الحملات الإعلامية، يُسخّر القانون الدولي، لأن الضحية هناك بيضاء، والجلاد عدو جيوسياسي. أما في غزة، فالضحية لا تملك "سوقًا واعدة"، ولا "موارد استراتيجية"، بل فقط دماء مهدورة، ومقاومة تُزعج خرائط السيطرة، ووعي يُقاوم الاستلاب.

السكوت الغربي، بل والتواطؤ الصريح أحيانًا، هو نتيجة حسابات باردة، لا ترى في الدم الفلسطيني إلا "أضرارًا جانبية"، ولا في قصف المستشفيات إلا "ردًا مشروعًا"، بينما تُمنح آلة الاحتلال الضوء الأخضر لتكمل مهمتها: تفريغ الأرض من سكانها، وتطهيرها ديموغرافيًا باسم "الدفاع عن النفس".

الأمم المتحدة: مسرحية عبثية في زمن المجازر

لم تعد الأمم المتحدة سوى شاهد زور دولي، تُصدر بيانات باردة وسط سيل دماء حار، تدعو إلى "التهدئة" بينما تُنتهك كل المواثيق، وتُمنع المساعدات، وتُقصف قوافل الإغاثة. لا وزن لكل قراراتها، لأنها لا تُنفّذ إلا على الضعفاء. أما الأقوياء، فهم فوق القانون، فوق العدالة، وفوق الأخلاق.

الإعلام الغربي: هندسة التضليل باسم "التوازن"

الإعلام الغربي لا ينقل الحقيقة، بل يُعيد صياغتها لتخدم السردية السياسية. "التوازن في التغطية" يعني مساواة الجلاد بالضحية، وجعل صوت المقاومة جريمة، وصوت القصف "حقًا مشروعًا". أما الجرائم، فتمر بلغة مغسولة: "سقط قتلى"، "انهار مبنى"، دون فاعل، دون إدانة، وكأن المجزرة تُنفّذها الأشباح.

هذا الإعلام لا يكتفي بالكذب، بل يُمارس القتل الثاني: قتل الحقيقة، وقتل كرامة الضحايا، وقتل وعي المتلقي.

الخلاصة: غزة مرآتنا... ومرآة نفاق هذا العالم

غزة لا تموت، بل تُفضح. تفضح عجز الأنظمة العربية، وتواطؤ القوى العظمى، وسقوط الخطاب الإنساني الغربي. تفضحنا جميعًا: كم نتحمل من القبح؟ كم نغض الطرف؟ كم نستهلك من الدماء في نشرات الأخبار قبل أن نُصاب بالتخدير الكامل؟

وإن كان التاريخ سيكتب ما يجري اليوم، فإنه لن يرحم هذا الصمت، ولن يُبرّئ هذا التواطؤ، ولن يغفر للذين وقفوا في صف الجلاد، أو سكتوا بينما تُنتهك الإنسانية تحت قنابل "الديمقراطية".

أحدث أقدم