الطفل الفلسطيني في المخيال الصهيوني: بين الاستهداف العقائدي والتشويه الإعلامي

لا يمكن فهم مآلات الطفل الفلسطيني إلا ضمن شبكة مركبة من الاستهداف العقائدي داخل الفكر الصهيوني، والتشويه الإعلامي الممنهج الذي يسعى إلى طمس إنسانيته وتحويله إلى كيان إشكالي. الطفل الفلسطيني هنا ليس مجرد ضحية عابرة، بل هو محور لصراع وجودي لا يُظهر فقط كفقد بشري، بل كأداة رمزية في مشروع إبادة سياسي وثقافي.

الاستهداف العقائدي: الطفل كتهديد وجودي

في منظومة التفكير الصهيوني، الطفل الفلسطيني يُعدّ “خطرًا مستقبليًا” أكثر مما هو براءة مستهدفة. العقيدة الصهيونية لا ترى الفلسطينيين مجرد شعب، بل تهدد وجودها ببقاءهم وتكاثرهم. لذا، الطفل الفلسطيني يُرسم في الوعي الجمعي كقنبلة ديموغرافية، تحمل في جيناتها مقاومة مستمرة تهدد “الهوية اليهودية” للدولة.

ليس صدفة أن تكون عمليات القتل والاعتقال تشمل الأطفال، فهم في خط المواجهة ليس فقط كضحايا، بل كرموز لديمومة الصراع. القتل هنا يحمل بعدًا طقسيًا لإعادة إنتاج أرض “نقية”، خالية من “الآخر” الذي يشكّل تهديدًا مستمرًا.

التشويه الإعلامي: من إنسان إلى تهديد

الطفل الفلسطيني لا يُقتل فقط، بل يُحَوَّل إلى تهديد في الخطاب الإعلامي الغربي والإسرائيلي. صور الأطفال القتلى تُحجب أو تُحوَّر، والقصص التي تتناول موتهم تُروى عبر عدسة الأمن والدفاع. الإعلام يصنع من الطفل الفلسطيني "المنفذ" أو "الرهينة"، لكنه نادرًا ما يمنحه دور الضحية الكاملة، مما يبرر القتل ويغسل ذمة القتلة.

في هذا السياق، تتكرر وصفات مثل “استخدام الأطفال كدروع بشرية” أو “استغلال الأطفال في المقاومة”، بينما لا تُناقش الأسباب الجذرية للقتل، ولا يعترف بحق الطفل الفلسطيني في الحياة والحماية.

الطفل الفلسطيني: ضحية السياسة الدولية واللاوعي الغربي

الطفل الفلسطيني هو أيضاً ضحية سياسة دولية تتعامل مع مجازره كأرقام، وحوادث كقصص مؤقتة في تقارير حقوق الإنسان. الدعم الغربي لـ”حق الدفاع الإسرائيلي” يضع الطفل الفلسطيني خارج دائرة التعاطف والإنسانية، وكأنه عقبة أمام “السلام” لا أكثر.

هذا الانحياز يكرس اللاوعي الجمعي الذي يراه الطفل الفلسطيني تهديدًا مزمنًا، لا يمكن ترويضه إلا بالإقصاء الجسدي أو السياسي. الطفل الفلسطيني بهذا يصبح رهينة مشروع سياسي يستهدف “إبادة وجوده” على أرضه.

خاتمة: الطفل الفلسطيني في مرمى ماكينة الإبادة والتشويه

الطفل الفلسطيني ليس ضحية مجردة بل هو هدف متكرر في عقيدة استيطانية عنصرية تُسخّر آلة القتل والتشويه لهدم أي أفق لوجوده الآمن. هذا الاستهداف لا يقتصر على الجسد، بل يمتد إلى الفكر والوعي، حيث يُحارب وجوده كرمز للمقاومة وبصيغة “الآخر الخطر” التي تتطلب إزالته.

حين يُقتل الطفل الفلسطيني، لا يُقتل فقط برصاص الاحتلال، بل برصاص خطاب عالمي يسعى إلى محو إنسانيته وشرعنة القتل.

أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال