الممانعة كأداة لتجميد الداخل
في أغلب الحالات، تُستخدم الممانعة كذريعة لتجميد الحياة السياسية الداخلية، وإبقاء المجتمع في حالة تعبئة أمنية دائمة. لا حرية رأي، لا تداول سلمي، لا مساءلة حقيقية… لأن البلاد "مهددة"، ولأن "العدو على الأبواب"، ولأن "الوقت ليس مناسبًا للإصلاح".
هكذا يُختزل مفهوم الدولة إلى سلطة، والوطن إلى نظام، والمعارضة إلى خيانة، لتُحوّل القضية من تحرر خارجي إلى قمع داخلي مُمأسس.
العدو المفترض: وظيفة استراتيجية
لا شك أن الاحتلال الإسرائيلي خطر حقيقي، لكن بعض الأنظمة جعلت من هذا الخطر مشروعًا دائمًا لتبرير وجودها. فبدلًا من المواجهة الحقيقية، يُصبح العدو وظيفة استراتيجية لضمان البقاء، وليس دافعًا للتحرر.
- العدو لا يُقاتَل… بل يُستثمر.
- لا تُبنى الجبهات… بل تُبنى أجهزة الرقابة.
- لا تُسند الشعوب… بل تُضبط وتُفرَغ وتُكمم.
الممانعة التحالفية: تناقضات فاضحة
بعض الأنظمة التي ترفع شعارات "الموت لأمريكا" تعقد تفاهمات ضمنية معها عبر وسطاء، وتنسّق في قضايا إقليمية حساسة، وتُبقي اقتصادها في دوائر النظام المالي العالمي.
المشكلة ليست فقط في التناقض، بل في استغلال الخطاب المقاوم لتسويق نظام لا يواجه الخارج بقدر ما يضبط الداخل، ولا يُحرر الأرض بل يُسيطر على المجتمع.
بين مقاومة تدفع الثمن... وممانعة لا تُكلّف شيئًا
التمييز ضروري بين:
- قوى مقاومة حقيقية: تتحمل الحصار، وتُسحق لأنها تُهدد فعليًا هندسة الطاعة الإقليمية، وتُربك ميزان القوى.
- أنظمة ممانعة لفظية: ترفع الشعارات، وتحتكر القرار، لكنها في الجوهر لم تُطلق رصاصة حقيقية منذ عقود.
في الحالة الأولى، المقاومة مشروع تحرر.
في الحالة الثانية، الممانعة غطاء مشروع سلطة.
الإعلام الممانع: آلة تزييف الوعي
أُنشئت شبكات إعلامية ضخمة تتحدث عن المؤامرة ليلًا ونهارًا، وتغرق الجمهور في سجالات الصراع الإقليمي، بينما تبرّر كل قمع داخلي بأنه "حماية للجبهة الداخلية". يتم شيطنة كل نقد بأنه "تواطؤ"، وتُمسخ الحقيقة في إطار يخدم النظام لا الأمة.
تفكيك المفارقة: كيف يُخدَع الوعي الجمعي؟
- يتم ترويج أن الحرية خطر على الوحدة.
- أن المطالبة بالعدالة مؤامرة صهيوأمريكية.
- أن الاستبداد "ضرورة وطنية" في مرحلة التحرير.
وبهذا يُمسَخ مفهوم التحرر: لا مقاومة حقيقية، ولا سيادة داخلية، بل تأجيل دائم لكل حلم مشروع.
خاتمة: بين الوهم والتحرر
الممانعة ليست مجرد خطاب، بل سلوك سياسي كامل. وإذا تحوّل الخطاب إلى غطاء لقمع الداخل بدلًا من تحرير الأرض، فإننا أمام نسخة مقلوبة من مشروع التحرر.
المعركة لم تعد فقط مع العدو الخارجي، بل أيضًا مع آليات داخلية تُفرغ المقاومة من معناها، وتحولها إلى شماعة لاستدامة الاستبداد.
التحرر الحقيقي يبدأ حين يتحرر المواطن من القيد الداخلي بنفس القدر الذي يرفض فيه الهيمنة الخارجية. وما دون ذلك… مجرد تمويه.