
المنع من العمل: سياسة مُتعمدة لا خلل عارض
في العديد من البيئات التي تستقبل لاجئين، لا يُمنح هؤلاء الحق في العمل، ليس لأن ذلك مستحيل تنظيميًا، بل لأن المنع هو قرار سياسي بحد ذاته.
يُتركون في وضع قانوني رمادي: ليسوا معترفًا بهم كمواطنين، ولا كلاجئين رسميين بموجب الاتفاقيات الدولية، بل كأجسام مؤقتة غير مُرحب بها بالكامل. يُطلب منهم الالتزام بالصمت، وتحمّل العيش على الهامش، دون أي قدرة على بناء حياة مستقلة أو كريمة.
هذا المنع لا يأتي خوفًا من الازدحام في سوق العمل، بل يُمارس كأداة ضغط وإقصاء. فالعمل يمنح الاستقرار، والاستقرار يفتح باب المطالب، والمطالب تُربك الحسابات السياسية. لذلك يُحاصر اللاجئ في مساحة ضيقة بين الإقامة المؤقتة والمنع الدائم من الاندماج.
غياب المساعدة: إفقارٌ مقصود لا عجز مالي
في الوقت الذي يُمنع فيه اللاجئ من العمل، لا تُوفر له الدول المعنية مساعدات تكفي لتغطية الحاجات الأساسية.
أحيانًا لا توجد مساعدات إطلاقًا، أو تُسلَّم عبر منظمات غير حكومية بموارد محدودة وشروط مُذلّة.
وهكذا يُدفع اللاجئ إلى حافة العوز، لا بوصفه متضررًا من الحرب، بل كمُجرَّد متطفل على نظام لا يريده أن يستقر أو ينهض.
ما يحدث هنا ليس فقرًا عرضيًا، بل إفقار متعمّد. إذ لا يُراد للاجئ أن يُنتج أو أن يكتفي، بل أن يبقى معلقًا بين العدم والنجاة، بلا أفق ولا خيارات. كل محاولة للنجاة الذاتية تُقابل بالقمع: إذا فتح مشروعًا بسيطًا، أُغلق. وإذا التحق بعمل يدوي، طُرد. وإن طالب بحقه، وُصم بالجحود.
من البقاء إلى التجويف: نزع الكرامة تحت غطاء الإنسانية
اللافت أن هذه السياسات لا تُمارَس في صمت، بل تُغلف بخطاب إنساني مزيّف: "نحن استقبلناهم"، "نحن لا نطردهم"، "نحن نحترم حقوق الإنسان".
لكن الحقيقة أن الاستقبال دون حقوق، والمنع دون بدائل، والعيش تحت سقف قانوني هش، ليست أفعال رحمة، بل أدوات طويلة الأمد لتجويف وجود الإنسان وإدامة هشاشته.
اللاجئ هنا لا يُمنع فقط من العمل، بل يُمنع من أن يكون فاعلًا. من أن يكون فردًا كاملًا. يُختزل إلى حالة انتظار دائمة، حيث الزمن لا يتحرك، والحياة لا تُبنى، والكرامة لا تُستعاد.
فارق جوهري: اللجوء كاحتواء مؤقت أم تمكين إنساني؟
الفارق الجوهري الذي يجب كشفه هو أن هناك فرقًا بين أن تستقبل لاجئًا لتقيه الموت، وأن تمنحه حق الحياة.
الأولى تمنع السقوط البيولوجي، أما الثانية فتبني الإنسان.
لكن السياسات الراهنة لا ترى في اللاجئ إنسانًا، بل رقمًا يجب تقليص أثره، وصوتًا يجب خفضه، ووجودًا يجب تقنينه. لذلك، لا يُسمح له بالعمل، ولا يُقدَّم له ما يكفي، ولا يُعترف بحقه في المطالبة.
خاتمة: كرامة الإنسان ليست منحة
العمل ليس رفاهية، والمساعدة ليست منّة. إنهما معًا الحد الأدنى لما يليق باللاجئ الذي اضطر أن يترك كل شيء فرارًا من الموت.
الأنظمة التي تمنع العمل ولا تعوّض بمنظومة دعم كافية، لا تحمي أحدًا، بل تُنتج طبقة مهمّشة عن قصد.
وكلما طال أمد هذا الوضع، كلما أصبح اللجوء مجرد نسخة جديدة من القهر المؤسسي المقنّن تحت مظلة الخطاب الحقوقي.