غزة ليست ضحية... بل فاضحة

منذ بدأت المجازر الأخيرة في غزة، تسابق العالم لتصنيف الفلسطينيين كضحايا:

ضحايا الحصار، وضحايا القصف، وضحايا العجز الدولي.
لكن هذه النظرة، رغم تعاطفها، تختزل الحقيقة وتشوّهها.
غزة لم تكن مجرد ضحية، بل كانت – وما زالت – كاشفة وفاضحة:

  • فضحت نفاق العالم
  • وأسقطت ورقة التوت عن "الضمير الإنساني"
  • وعرّت عجز النخب
  • وأحرجت مؤسسات حقوق الإنسان
  • وأصابت أنظمة التطبيع في مقتل

ليست غزة ميدانًا يُبكى عليه فقط، بل مرآة تُعرض فيها البشاعة المخفية بوضوح فاضح.

أولًا: غزة تفضح أكثر مما تستغيث

في عالم تتكلم فيه الصواريخ أكثر من البيانات، أدانت غزة بصمتها كل من صمت عنها.
كل صورة من تحت الركام ليست طلب نجدة، بل شهادة اتهام.

  • حين يُقتل 10 أطفال في ضربة واحدة، ويُقال: "حق الدفاع عن النفس"
  • حين تُقصف المدارس، فيُقال: "خطأ مؤسف"
  • حين يُجاع مليون إنسان، وتُبرر العقوبات على الضحية بدل الجلاد

في كل هذا، لا تظهر غزة كضحية فقط، بل ككاشفة لفجور المنظومة العالمية، التي لا ترى الإنسان إن لم يكن أبيض، ولا تعترف بالمجزرة إن لم يُرتكبها عدوّ سياسي.

ثانيًا: من انكشفت عورته في مرآة غزة؟

1. الأنظمة العربية

غزة فضحتها في عجزها، أو في خيانتها، أو في تواطئها باسم الواقعية.
أنظمة راهنت على التطبيع، فإذا بالجريمة تفضح اتفاقاتهم أمام شعوبهم.

2. اليسار الغربي

الذي طالما تغنّى بالحرية ورفض العنصرية، لكنه سكت أو تردد أو ساوى بين الضحية والجلاد حين تعلق الأمر بفلسطين.

3. الإعلام العالمي

الذي لم يُخفِ انحيازه، بل صاغ الكلمات كما يشاء:

  • "اشتباكات" بدل "مجزرة"
  • "مسلحون" بدل "مدنيين"
  • "أهداف" بدل "أطفال"

غزة كشفت أن الإعلام ليس ناقلًا، بل صانع وفاعل وشريك.

4. منظمات حقوق الإنسان

التي تغيب حين تُنتهك كل القوانين دفعة واحدة، ثم تعود حين يتوقف القصف… لتوثّق فقط ما لا يحرج داعميها.

ثالثًا: غزة كمرآة مفجعة لهذا العصر

غزة عرّت الجميع، لأنها لا تملك شيئًا تخسره:
لا علاقات، لا نفط، لا نفوذ، لا مقاعد في المنظمات.
لذلك حين تنطق، تنطق بالحقيقة وحدها، دون مكياج دبلوماسي.

  • هي المرآة التي انعكس فيها وجه "التحضّر" الغربي وقد تحوّل إلى آلة صمت باردة.
  • وهي المرآة التي رأى فيها العربي نفسه متخاذلًا، عاجزًا، محكومًا بأنظمة لا تمثّله.
  • وهي المرآة التي سقطت فيها كل الادّعاءات: الحياد، الوساطة، الإنسانية، التوازن.

وغزة لا تحتاج إلى صوت يتحدث نيابة عنها، لأنها بصمودها أفصح من أي بيان.

رابعًا: لماذا يُراد لغزة أن تُصوَّر كضحية فقط؟

لأن وصف "الضحية" مُريح للعالم:

  • يمنح فرصة للرثاء دون موقف
  • يسمح بالمساعدات دون مساءلة
  • يختزل الفلسطيني في مشهد البكاء، لا في مشروع المقاومة

لكن غزة، حين تقاوم، تُربك هذا المشهد.
تخرج عن دور "المستضعَف"، وتدخل في دور "الفاضح".
ولذلك يُراد لها أن تُصوَّر كجثة فقط… لا كمرآة.

خامسًا: متى تتحوّل الشهادة إلى إدانة حقيقية؟

حين تُترجم فُضيحة غزة إلى مواقف لا تراجع عنها:

  • في الشارع العربي، الذي لا يقبل بعد الآن التطبيع المغلّف
  • في الوعي الغربي، الذي بدأ يرى كيف تُصنع المجازر بالشرعية الزائفة
  • في جيل جديد، يعرف أن القضية ليست إنسانية فقط، بل سياسية، ووجودية، وعادلة

هنا فقط، تصبح غزة ليست مجرد مأساة تتكرر، بل يقظة تتراكم.

الخاتمة

غزة لا تحتاج منّا أن نبكيها… بل أن نصدقها.
أن نراها كما هي:
محرومة من كل شيء، لكنها تملك شيئًا لا يملكه غيرها: الحقيقة العارية.

فلا تُخطئ حين تنظر إلى غزة…
لأنها لا تعرض صورتها فقط، بل تعرض صورتنا جميعًا في مرآة أخلاقها.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.