التحالف ضد غزة: بين صهيونية السلاح وصهيونية الكلمة

حين تسقط القنابل على غزة، لا تأتي وحدها.

وراء كل صاروخ، هناك رواية تُجهَّز.
وراء كل مجزرة، هناك بيان يُسوّق، وعنوان يُحرَّف، وصورة تُقصّ، وصمت يُشترى.

إنها حرب مزدوجة:

  • سلاح يُدمّر
  • وكلمة تُضلّل

وهذا ما يجعل العدوان على غزة ليس فقط عدوانًا عسكريًا، بل تحالفًا شاملًا بين صهيونية السلاح، وصهيونية الكلمة:
تحالفٌ بين من يضغط الزناد، ومن يكتب البيان، ومن يشرعن المجزرة على شاشات الأخبار وفي صفحات الرأي وفي خطاب النخب.

أولًا: من هي صهيونية السلاح؟

هي الوجه المعروف من العدو:

  • إسرائيل المدجّجة بأحدث تقنيات القتل
  • الولايات المتحدة التي تزوّدها بالسلاح بلا شروط
  • الشركات التي تصنّع الموت وتختبره على أجساد المدنيين

لكن هذا الوجه لم يكن ليبقى طليقًا، لولا حماية الوجه الآخر: صهيونية الكلمة.

ثانيًا: صهيونية الكلمة… الوجه الناعم للجريمة

صهيونية الكلمة لا تقتل بشكل مباشر، لكنها تمهّد للقتل وتبرّره وتغسله وتنساه.

  • الصحف الكبرى التي تُبرر إبادة الأطفال بـ"الرد على هجوم"
  • الأكاديميون الذين يصمتون عن جرائم موثّقة بدقة
  • الخطاب الإعلامي الذي يساوي بين المقاومة والاحتلال
  • المؤسسات الحقوقية التي تخشى وصف ما يحدث بـ"الإبادة"
  • المنصات الرقمية التي تُسكت المحتوى الفلسطيني باسم "سياسات الحياد"

هذه ليست أخطاء عفوية، بل سياسة وعي منهجية، تُصنع لتطبيع الإجرام.

ثالثًا: لماذا هذا التحالف؟

1. لأن القتل يحتاج إلى غطاء لغوي

لا يكفي أن تُسحق مدينة، بل يجب أن يُقنع العالم بأن ما جرى "رد دفاعي"، وأن الضحية "استخدمت البشر دروعًا بشرية".

2. لأن الرأي العام الغربي لا يتحمل رؤية الحقيقة

ولذلك يُعاد تشكيل الصورة، وتُفرغ من دمها، لتصبح "نزاعًا" لا "مجزرة".

3. لأن الكلمة أرخص من الرصاصة لكنها أكثر تأثيرًا

هي التي تُحدد من هو الإرهابي، ومن هو المعتدى عليه.
وبالتحكم في المصطلحات، تُصنع شرعية الموت.

رابعًا: مظاهر صهيونية الكلمة

- في الإعلام:

تُختزل الإبادة في "تبادل عنف"، ويُقال "سقطت قذائف على غزة" بدل "قُصفت المدارس"، وتُحذف صور الشهداء بدعوى "مخالفات".

- في المؤسسات الأكاديمية:

يُمنع الطلاب والباحثون من التضامن، ويُفصل بعضهم، وتُحظر الندوات التي تطرح السردية الفلسطينية.

- في منصات التواصل:

تُقيّد الحسابات الفلسطينية، وتُحذف المنشورات التي توثق الجرائم، وتُهمّش الرواية الأصلية.

- في الخطاب السياسي:

تُكرَّر كذبة "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" وكأن الاحتلال يُمنَح حصانة مطلقة.

خامسًا: هل المقاومة وحدها تحت النار؟

لا.
المقاومة تحت النار العسكرية،
لكن الرواية تحت نار التشويه،
والمناصرون تحت نار القمع،
والوعي تحت نار التضليل.

التحالف الذي يقصف غزة لا يقتصر على الطائرات، بل يشمل جيوشًا من الإعلاميين، والمحررين، والمحللين، والناشطين المأجورين، ممن يسهمون في قتل الضحية مرةً ثانية: بالكذب.

سادسًا: كيف نواجه صهيونية الكلمة؟

  • بكشف الخطاب لا مجادلته فقط: لأن كثيرًا من الخطابات المضلّلة لا تهدف للإقناع بل للتشويش.
  • بتثبيت المصطلحات الصحيحة: لا نقول "نزاع"، بل "عدوان"، لا نقول "اشتباكات"، بل "قصف مدنيين".
  • بإنتاج روايتنا بلغة العالم: دون خضوع لمقاييسه الانتقائية، بل بإعادة تعريف ما هو إنساني وعادل.
  • بدعم المنابر الحرة والمحتوى المقاوم: لأن المعركة طويلة، وتحتاج أصواتًا غير مرتهنة.

الخاتمة

العدوان على غزة ليس فقط اختبارًا لصواريخ المقاومة، بل اختبارًا لحصانة الكلمة، ولنزاهة الخطاب، وصدق المثقف.

وغزة، كما كشفت نفاق السلاح، تكشف اليوم نفاق الكلمة.
وحين يسقط القناع، لا يعود القاتل وحده مذنبًا… بل كل من زيّن له القتل، أو سكت عن الجريمة، أو أعاد صياغتها بلغة "الحياد القاتل".

ففي هذا الزمن، قد لا تحتاج إلى سلاح لتكون قاتلًا… يكفي أن تكتب كأن لا شيء يحدث.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.