عقيدة الحرق الكامل: متى تحوّلت إسرائيل إلى مشروع إبادة؟

تغيّرت قواعد الحرب في غزة، ولم يعد الأمر مجرد صراع عسكري أو مواجهات محدودة، بل أصبح هناك ما يمكن وصفه بعقيدة استراتيجية تقوم على الحرق الكامل، حيث لا يقتصر القصف على أهداف عسكرية، بل يشمل تدمير البنية التحتية بالكامل، إبادة المدنيين، وتدمير مقومات الحياة اليومية.

هذا التحول في العقيدة لا يمكن فهمه إلا عبر قراءة عميقة في التطورات السياسية والعسكرية، والإيديولوجية التي تقف خلفه، والتداعيات الإنسانية التي تنتج عنه. السؤال الذي يفرض نفسه: متى وكيف تحوّلت إسرائيل من قوة احتلال إلى مشروع إبادة ممنهج؟

أولًا: من الدفاع إلى الحرق الكامل

في مراحل الصراع السابقة، كانت العمليات العسكرية تركز على أهداف محددة: قواعد عسكرية، أو عناصر مقاومة.

أما اليوم، فتتجه الاستراتيجية إلى:

  • تدمير المدن والمنازل بالكامل، ليس كتكتيك مؤقت، بل كهدف دائم.
  • قطع كل مصادر الحياة: الماء، الكهرباء، الغذاء، والدواء.
  • استهداف المستشفيات، المدارس، وملاجئ المدنيين، مما يرفع من حصيلة القتلى المدنيين إلى مستويات كارثية.

هذا تحول نوعي في طبيعة الحرب، من "ردع" إلى "إبادة".

ثانيًا: جذور العقيدة وأهدافها

تستند عقيدة الحرق الكامل إلى:

  • المنظور الأمني الإسرائيلي الذي يرى أن غزة يجب أن تُمحى ككيان مادي لتفكيك أي تهديد مستقبلي.
  • أيديولوجيا صهيونية متطرفة، ترى في الشعب الفلسطيني عائقًا يجب إزالته، وليس مجرد خصم سياسي.
  • حسابات دولية وإقليمية، حيث يتصاعد الدور الأمريكي في دعم هذه السياسة بشكل غير مسبوق.
  • ضغط داخلي في إسرائيل من التيارات اليمينية المتطرفة التي تصر على تكثيف العمليات لتقويض أي أمل في حل سياسي.

باختصار، عقيدة الحرق الكامل ليست رد فعل عسكريًا عاديًا، بل مشروع إبادة ممنهج.

ثالثًا: ما الذي يجعل هذه العقيدة غير مسبوقة؟

  • تزامن القصف مع حصار شامل يمنع وصول المساعدات الطبية والغذائية، مما يضاعف المآسي.
  • تدمير متعمد للبنية التحتية الأساسية مما يجعل إعادة الإعمار شبه مستحيلة حتى بعد وقف النار.
  • استهداف متعمّد للأطفال والمدنيين، بما يخالف كل القوانين الدولية والأعراف العسكرية.
  • التعامل مع المدنيين كأعداء، ومحو وجودهم من الخرائط السياسية والإنسانية.

هذا المستوى من الوحشية لم يكن موجودًا في الحروب السابقة، ويشكل قطيعة تاريخية في طبيعة الصراع.

رابعًا: التداعيات الإنسانية والسياسية

  • كارثة إنسانية متوقعة، مع انهيار كامل للخدمات الصحية والاجتماعية.
  • تدمير للأمل في أي تسوية سياسية، حيث لا يمكن التفاوض مع طرف ينوي إبادة الآخر.
  • تغيّر المعادلات الإقليمية والدولية، بفعل رفض الشعوب العربية لهذا التصعيد الممنهج، مقابل صمت رسمي مريب.
  • تحول القضية الفلسطينية من نضال تحرري إلى صراع من أجل البقاء، بفعل استنزاف الشعب وتدمير بنيته الاجتماعية.

خامسًا: هل من مخرج؟

مواجهة عقيدة الحرق الكامل تتطلب:

  • ضغطًا دوليًا فعّالاً وفوريًا لإنهاء الحصار ووقف القصف.
  • كشف وإدانة هذه السياسة على المستويات القانونية والأخلاقية في المحافل الدولية.
  • إعادة توحيد الصف الفلسطيني لمواجهة التحديات الاستراتيجية.
  • إنتاج خطاب عالمي متماسك يرفض سياسة الإبادة، ويدعم حق الشعب الفلسطيني في الحياة والكرامة.

الخاتمة

عقيدة الحرق الكامل ليست مجرد سياسة عسكرية، بل هي مشروع إبادة متكامل يُطبَّق أمام أنظار العالم.
وإلى أن يُوقفها ضمير إنساني حقيقي، ودعم دولي جاد، ستبقى غزة رمزًا لأفظع فشل أخلاقي وسياسي في العصر الحديث.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.