
الجزائر تحاول الحفاظ على استقرارها الداخلي في مواجهة ضغوط اقتصادية واجتماعية متصاعدة، وسط نظام سياسي يراوح بين الانفتاح المحدود والتشدد القمعي. رغم ثرواتها النفطية، تواجه الدولة تحديات بنيوية تهدد مستقبلها، فيما يحاول المجتمع التأقلم مع واقع معقد من التضييق السياسي والاحتجاجات المتقطعة.
1. بنية النظام ومصادر السلطة
النظام الجزائري يتميز بسلطة مركزية قوية تهيمن عليها المؤسسة العسكرية، التي تلعب دورًا رئيسيًا في تحديد مسار الحكم والسياسة. السلطة تُدار عبر شبكة من البيروقراطية والنخب الأمنية، مع محدودية دور الأحزاب السياسية والمجتمع المدني. الشرعية السياسية تعتمد بشكل كبير على الحفاظ على الاستقرار الأمني أكثر من تمثيل شعبي فعلي.
2. المشكلات الحالية (الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، المسكوت عنها)
تعاني الجزائر من اعتماد مفرط على عائدات النفط والغاز، ما يجعلها عرضة لتقلبات السوق العالمية. البطالة مرتفعة خاصة بين الشباب، وتراجع مستوى الخدمات العامة يفاقم الإحباط الشعبي. سياسياً، تظل الحريات مقيدة، مع غياب نقاش سياسي حقيقي وإعلام محكوم. المسكوت عنه يشمل تحجيم المعارضة الحقيقية واستمرار قمع الحراك الشعبي منذ 2019.
3. الدور الجيوسياسي والوظيفي للدولة
الجزائر تلعب دورًا إقليميًا كمحور في شمال إفريقيا، مع تبني سياسة خارجية مستقلة نسبياً توازن بين العلاقات مع القوى الغربية والدول الأفريقية والعربية. الدولة تحاول الحفاظ على دورها كفاعل إقليمي معتدل، مع حرص على عدم الانجرار لصراعات إقليمية مفتوحة، لكنها تواجه تحديات في التكيف مع التحولات الدولية.
4. الاقتصاد الحقيقي للدولة
الاقتصاد الجزائري ريعي بشكل رئيسي، وتعاني القطاعات غير النفطية من ضعف كبير. الاستثمار في الصناعة والزراعة محدود، والبيروقراطية تعيق المشاريع الخاصة. النظام المالي يتحكم فيه الدولة بشكل مركزي، مما يحد من النمو الاقتصادي المستدام، ويؤدي إلى تزايد الفقر وتراجع مستوى المعيشة.
5. الإعلام والخطاب مقابل الواقع
الإعلام الرسمي يروج لصورة دولة مستقرة وتقدم اقتصادي، لكنه يغطي على الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الحقيقية. الرقابة على وسائل الإعلام والتضييق على الصحافة المستقلة يحد من نقاش عام وشفافية. الواقع في الشارع يعكس فجوة كبيرة بين الخطاب الرسمي وتطلعات المواطنين، ما يولد استياء متزايدًا.
6. حالة المجتمع: بين الغضب والاستكانة
المجتمع الجزائري يمر بفترة من الترقب والاحباط، حيث تراجع الحراك الشعبي بعد موجة 2019، وتحولت إلى استكانة نسبية مع استمرار الضغط الأمني. الشباب يعاني من فرص محدودة، والمثقفون يجدون صعوبة في التعبير السياسي. مع ذلك، يبقى الاحتقان كامناً، ويحتمل أن ينفجر في أي لحظة.
7. سيناريوهات المستقبل
السيناريوهات محتملة بين استمرار الوضع الراهن مع قمع محدود وتحجيم الحراك، أو انفجار اجتماعي في ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية والبطالة. خيار الإصلاح السياسي والاقتصادي يبدو ضعيفًا، إلا إذا شهد النظام ضغوطاً داخلية أو خارجية تجبره على التغيير الحقيقي.
8. خاتمة تحليلية
الجزائر تقف عند مفترق طرق بين الاستقرار المهدد والتحولات المتأخرة، في ظل نظام يفضل السيطرة الأمنية على التنمية السياسية. مستقبل الدولة مرهون بقدرتها على إحداث إصلاحات حقيقية، وإلا فإنها معرضة لتفاقم الأزمات التي قد تؤدي إلى توترات داخلية غير محسوبة.
سلسلة: دولة تحت المجهر