
لا لأنّه لم يكن صادقًا، بل لأنه تكرّر أكثر من اللازم دون أن يُحتفى به.
التعود لا يقتل الأشياء دفعة واحدة، بل يمرّ عليها كلّ صباح ويُطفئ منها شيئًا صغيرًا. لا يُحدث ضجيجًا، لكنه يسرق البهجة، يبخّر الدهشة، ويدفن الجمال في تراب الاعتياد.
لحظة فقد الإحساس… دون أن ننتبه
أخطر ما في التعود أنّه يحدث ببطء مخادع.
لا أحد يستيقظ ليقول: "لم أعد أشعر بشيء".
بل هو يخفت شيئًا فشيئًا:
- لم تعد تلك الأغنية تلمسك
- ولا ذلك الوجه يُحرّكك
- ولا ذلك المكان يعني شيئًا
كأن الإحساس نفسه قد تبلّد… أو تآكل من فرط التكرار.
التعود لا يعني الراحة… بل فقدان الحياة
نظنّ أن التعود يمنح الأمان، لكنه في الحقيقة يسلب الدهشة.
- نتعود الوجوه التي أحببناها
- والكلمات التي كانت تُبكينا
- والمواقف التي كانت تهزّنا
نأكل بلا طَعم، نضحك بلا حرارة، نحزن بلا عمق.
نصير شهودًا على حياتنا بدل أن نكون فيها.
الأشياء الجميلة تموت بصمت حين لا ننتبه لها
الجمال لا يختفي… لكنه يذبل حين لا يُرى.
تمامًا كما تذبل الوردة حين لا يُشَمّ عطرها، وكما تخفت الشمعة التي لا يُلتفت لنورها.
نقتل الأشياء التي نحبّها، حين ننسى أن نندهش بها كل مرة.
حين نمرّ على لحظة حقيقية دون أن نلتفت،
حين نقول "هذا طبيعي"، بينما هو في الحقيقة كنز نادر… فقط أفسده التكرار في أعيننا.
لماذا نعتاد؟ وما الذي يجعل التعود قاتلًا؟
الدماغ البشري مبرمج على التكيّف.
لكنه لا يفرّق بين الخطر والفرح، بين الألم والدهشة.
فإذا تكرّر شيء، وضعه في خانة "العادي".
نعتاد لأننا خائفون من الانفعال الزائد،
نُخدّر إحساسنا حتى لا نتألّم، لكننا في الطريق نخسر الفرح أيضًا.
وهكذا، يصير الاعتياد درعًا يحمينا من الحياة… ويمنعنا عنها في آنٍ واحد.
ماذا لو كان الحب نفسه ضحية التعود؟
أجمل المشاعر يمكن أن تُقتل بسكين الصمت.
- حين لا نعبّر
- حين نظنّ أن الآخر "يعرف"
- حين نؤجل الكلام، والامتنان، والدهشة
العلاقة التي لا تُروى بالعناية اليومية، لا تموت بخيانة… بل بالتعود.
فكل حب لم يُدهش صاحبه مجددًا، سيتحوّل إلى مرافقة روتينية… كأنها عادة أكثر منها شعور.
التقدير هو المقاومة الأولى ضد التعود
لن نحمي الأشياء الجميلة من التلاشي إن لم نكن واعين بخطر التعود.
فلنُقاومه بالتقدير:
- أن نشكر لا لأن الشيء جديد، بل لأنه ما زال موجودًا
- أن نندهش رغم التكرار
- أن نرى في الروتين عمقًا، لا تعبًا
بهذا فقط نحفظ حرارة الشعور، ونُبقي أرواحنا يقظة.
خاتمة:
ليس التعود مجرّد ملل…
بل موت بطيء للأشياء الحية فينا.
أن نعتاد هو أن نمرّ على المعجزة كأنها حدث عادي.
أن نلمس الجمال دون أن نشعر به.
لكننا لا نُخلق لنكون آلات تستهلك كل شيء ثم تنطفئ.
نحن نُخلق لنندهش، لنُبصر، لنشعر.
فإذا رأيت أن الحياة أصبحت رمادية…
لا تبحث عمّا تغيّر حولك، بل اسأل نفسك:
كم من الأشياء الجميلة ماتت لأنني لم أنتبه لها؟