أحنّ إلى نفسي كما كنت: عن خيانة الذات في زحام الحياة

ليس أصعب من أن تشتاق إلى نفسك.

إلى ملامح فيك لم تعد تراها، إلى بساطة شعور كنت تملكه، إلى خفّة داخلية لم تكن تعرف كم كانت ثمينة حتى فقدتها.
تمرّ بنا الأيام فنظن أننا تغيّرنا فقط… لكن الحقيقة أننا تخلّينا. عن صوتٍ فينا كان يصرخ، عن فكرة كانت تنبض، عن أنفسنا كما كنّا قبل أن نرضخ، ونساوم، ونُهزم بلطف.

أين ذهبت النسخة الأولى منّا؟

في بدايات الحياة — أو بدايات الوعي على الأقل — نكون أقرب ما نكون إلى ذواتنا الأصلية:

  • نحب بلا حساب
  • نحلم بلا إذن
  • نغضب حين لا نشعر بالعدل
  • ونرفض التلوّن حتى نُفهم

لكن مع الوقت، ومع انحناءات التجارب، نتعلّم أن نُسكت أصواتنا الداخلية كي نستمر،
فنُغيّر ملامحنا، نكتم غضبنا، ونكسر في داخلنا شيئًا ثمينًا… اسمه "نحن كما كنّا".

الخيانة البطيئة: كيف نخون أنفسنا ونحن نبتسم؟

لا أحد يقول لنفسه "سأخونك".
بل يحدث ذلك تحت عناوين ناعمة:

  • "أنا أتنازل من أجل السلام"
  • "هذه مجرد مرحلة مؤقتة"
  • "الحياة لا تمضي كما نريد"

ثم نكتشف أننا وضعنا أنفسنا على الرفّ… وبقينا هناك.

لا شيء أقسى من أن تصحو يومًا وتقول:
"هذا لستُ أنا"
لكنك لا تعرف من أنت بعد الآن، لأنك اعتدت على خيانتك كأنها طبيعية.

من باع من؟ نحن... أم هم؟

كثيرًا ما نحمّل الحياة مسؤولية ما فقدناه فينا:

  • المجتمع
  • الوظيفة
  • العلاقة التي خذلتنا
  • الأب الذي لم يفهم
  • الزمن الذي قسى

لكن الحقيقة المرّة هي أننا نحن من قرر أن نتخلّى.
نحن من وقعنا اتفاق الهدنة مع العالم على حساب ذواتنا.
نحن من اخترنا النجاة على حساب النقاء… والاستمرار بدل الانسجام.

الحنين إلى الذات لا يعني الضعف… بل بقايا حياة

حين تشتاق إلى نفسك، لا يعني أنك مريض بالنوستالجيا، أو عالق في الماضي.
بل يعني أنك ما زلت تتنفس من تلك البقعة النقيّة في داخلك، التي لم تمت بعد.

  • تلك النسخة التي كانت تعرف ماذا تريد
  • التي كانت تضحك دون تكلّف
  • التي كانت تبكي حين تتألم دون أن تخجل
  • التي كانت تكتب، تغنّي، تحلم… بلا جمهور

أليست هي الأصدق؟
أليست هي التي يحق لنا أن نعود إليها؟

استعادة الذات ليست رفاهية… بل مقاومة

في عالم يدفعك أن تتشابه مع الجميع، أن تفكر كما يريدون، أن تصمت حيث يُتوقَّع منك ذلك —
فأن تبقى كما أنت… ثورة.

أن تعود إلى نفسك لا يعني أن تنعزل، بل أن تُنقذ من بقي فيك حيًّا.
أن تقول بصوت مسموع:
"سأكون كما كنت، أو أفضل… لكنني لن أواصل هذه الخيانة الصامتة."

خاتمة:

لسنا بحاجة إلى معجزات كي نعود.
بل إلى صدقٍ مؤلم، وقرار صغير:
أن نبحث عن أنفسنا كما نبحث عن حبيبٍ مفقود.
أن نعيد إليها الحياة كما لو كانت أغلى ما نملك.

فربما لا ننجو حقًا…
إلا إذا عدنا إلى ذلك الطفل فينا الذي لم يتعلّم بعد كيف يخون نفسه.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.