نضجنا… لكننا لم نعد نحب كما كنا

كبرنا.. 

تعلّمنا كيف نحمي قلوبنا، كيف نغلق أبوابنا بهدوء، كيف نزن الكلمات قبل أن نقولها، وكيف نُخفي انكساراتنا وراء ابتسامات متعبة.

لكن شيئًا ما تغيّر في الحب أيضًا.
لم نعد نحب كما كنّا.
صار الحب أقل اندفاعًا، أقل نقاءً، أقل صدقًا ربما…
صرنا نحذر أكثر مما نقترب، ونحسب أكثر مما نعطي، ونمشي خطوة إلى الخلف كلما خفق القلب خطوة إلى الأمام.

الحب قبل النضج: عفوية غير قابلة للتكرار

في البدايات، كان الحب يشبه المطر الأول.
مباغت، صادق، لا يخجل من البلل، ولا يخشى الانجراف.
كنا نحب بقلوب مفتوحة على اتساعها، نُخطئ، نبكي، نغار، نكتب رسائل، ننتظر، نحزن كالأطفال… لكننا نحب.

لا نعرف شروط الحب، ولا استراتيجيات النجاة، فقط نندفع كما نحن، بكل هشاشتنا.
وهذه الهشاشة… كانت هي الصدق ذاته.

ثم نضجنا… فصرنا نحسب خطواتنا

النضج يُعلّمك أن الحياة لا تعطي بلا ثمن.
وأن من تحبّه قد يتركك، ومن تثق به قد يخذلك، وأنك وحدك من يدفع الفواتير العاطفية حين تنكسر.

فبدأنا نحب "بحذر":

  • لا نُظهر الشوق
  • لا نتعلق بسرعة
  • لا نطلب شيئًا
  • لا نقول كل ما نشعر به

وكأننا نحب بظلّ القلب، لا بالقلب كله.

هل فقدنا الحب… أم اكتشفنا هشاشته؟

ربما لم نفقد القدرة على الحب، بل فقط خسرنا وهم الأمان فيه.
صرنا نرى التشققات في البداية، ونشتمّ رائحة النهايات ونحن ما زلنا في منتصف اللقاء.

الحب لم يعد وعدًا، بل احتمالًا.
لم يعد طمأنينة، بل تجربة قابلة للانهيار في أي لحظة.

والمفارقة المؤلمة: كلما ازداد وعينا، قلّت قدرتنا على الاستسلام للحب.
صرنا نحب بـ"وعي الخسارة" بدل "براءة الشعور".

ما الذي تغيّر فعلًا؟ نحن أم الحب؟

الحب موجود، ربما كما كان دائمًا.
لكننا نحن الذين تغيّرنا:

  • لم نعد نتحمّل هشاشتنا
  • ولا نغفر للآخر ضعفه
  • ولا نثق بما لا يمكن السيطرة عليه

صرنا نريد حبًا يضمن لنا السلام… لا الحب الذي يعصف بنا.
صرنا نطلب الأمان، لا الشغف.
وهكذا، صار الحب علاقة عقلانية… لا هزّة داخلية.

هل لا يزال بإمكاننا أن نحب كما كنّا؟

ربما لا. وربما هذا جيّد.
فالحب في الطفولة العاطفية كان عفويًا لكنه مؤذٍ أحيانًا.
أما الحب الناضج، فهو أكثر وعيًا، لكنه أقل دفئًا.

الحل ليس في الحنين للماضي، بل في أن نتعلّم كيف نُعيد الدفء للنضج.
أن نكون حكماء دون أن نصبح باردين.
أن نحمي أنفسنا دون أن نغلقها.
أن نحب… لا كما كنّا، بل كما يليق بنا الآن: بصدق مختلف.

خاتمة:

نضجنا، نعم…
لكن لا يجب أن نُكفّر عن نضجنا بحرمان أنفسنا من الحب الحقيقي.
لا يجب أن نتحوّل إلى حسابات تمشي على قدمين.

فإذا لم نعد نحب كما كنّا، فلنجعل نضجنا فرصة لحبٍ أعمق، لا أضعف.
لحبّ فيه عقل… لكن لا يخلو من القلب.
وفيه وعي… لكن لا يقتل الاندفاع الجميل.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.