
1. بنية النظام ومصادر السلطة
النظام اللبناني يقوم على المحاصصة الطائفية التي تقسم السلطة بين مختلف الطوائف، ما يخلق توازنًا هشًا يُعيق بناء دولة مركزية قوية. السلطة الفعلية موزعة بين زعماء الطوائف وأحزابها، في ظل غياب مؤسسات ديمقراطية فعالة وقانون دستوري واضح ينظم العلاقة بين هذه الأطراف. النظام غير قادر على تحقيق وحدة وطنية أو تأسيس شرعية شعبية حقيقية.
2. المشكلات الحالية (الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، المسكوت عنها)
الانهيار الاقتصادي المدمر هو المأساة الأساسية، حيث فقدت الليرة أكثر من 90% من قيمتها، وتضاعف الفقر، وانهارت الخدمات الأساسية. سياسياً، يعاني لبنان من فراغ دائم في المؤسسات، وتوترات طائفية مستمرة، مع قمع للحريات المدنية. اجتماعياً، تفاقمت الهجرة، وتدهورت مستويات التعليم والصحة، بينما المسكوت عنه يشمل فساد النخب واستمرار نفوذ الخارج في الشؤون الداخلية.
3. الدور الجيوسياسي والوظيفي للدولة
لبنان أصبح ساحة تنافس إقليمي بين إيران من جهة والسعودية والخليج من جهة أخرى، مع تدخلات أمريكية وفرنسية تزيد من تعقيد الوضع. الدولة اللبنانية تُستخدم كواجهة لصراعات بالوكالة، مع غياب أي قرار وطني مستقل، واحتدام النفوذ الإيراني عبر حزب الله الذي يتحكم بقطاعات عسكرية وأمنية كبيرة.
4. الاقتصاد الحقيقي للدولة
الاقتصاد اللبناني ريعي وغير منتج، يعتمد بشكل كبير على التحويلات المالية من المغتربين والقروض الدولية. النظام المالي مفلس والقطاع المصرفي في أزمة مستمرة، ما يؤدي إلى فقدان الثقة من الداخل والخارج. الفساد والهدر يعمقان الأزمة، وتزداد الهوة بين النخب الاقتصادية والعامة، مع سيطرة نخبة اقتصادية صغيرة على الموارد.
5. الإعلام والخطاب مقابل الواقع
الإعلام اللبناني منقسم طائفياً وسياسياً، وكل جهة تستخدمه لخدمة أجندتها، مما يعمق الانقسامات ويشوه الواقع. الخطاب الرسمي غالبًا ما ينفي الأزمة أو يوزع المسؤولية، في حين يعاني المواطن من أزمة ثقة في وسائل الإعلام، ما يؤدي إلى انتشار الشائعات وتفكك السرد الوطني.
6. حالة المجتمع: بين الغضب والاستكانة
رغم موجات الاحتجاجات التي اندلعت منذ 2019، فإن الحراك الشعبي يفتقر إلى قيادة واضحة وبرنامج بديل. الغضب موجود لكنه محصور ومضبوط ضمن أطر طائفية أو محلية، وسط استكانة واسعة من فئات عدة. الشباب والمثقفون يعانون من إحباط عميق، والهجرة مستمرة كخيار للهروب من واقع مزمن.
7. سيناريوهات المستقبل
المستقبل في لبنان مرهون بتطورات إقليمية ودولية، حيث قد تستمر الأزمة الحالية مع تفاقم الانهيار، أو تحدث انفجارات اجتماعية في ظل غياب بدائل سياسية. إمكانية الإصلاح ضئيلة ما لم يحدث ضغط داخلي أو خارجي يفرض تغييراً جذرياً في بنية النظام. السيناريو الأكثر ترجيحاً هو استمرار حالة الجمود والتدهور.
8. خاتمة تحليلية
لبنان اليوم دولة معلقة بين الفشل الذاتي والتدخل الخارجي، حيث لا سيادة فعلية ولا أفق واضح للخروج من الأزمة. هشاشة الدولة تعكس هشاشة الهوية الوطنية التي غابت لصالح تقاسم المصالح الطائفية والإقليمية، مما يجعل من إعادة بناء لبنان مهمة معقدة تستدعي مواجهة جذرية مع النظام القائم ونفوذ الخارج.
سلسلة: دولة تحت المجهر