
أن تجلس مع ذاتك، تستمع إلى صمتك، تراقب الزمن وهو ينساب دون قلق، كان أمرًا طبيعيًا.
أما اليوم، فقد صار التأمّل ترفًا.
بل صار الصمت نفسه ممنوعًا.
عصر الضجيج الدائم
لم يعد الإنسان المعاصر يعرف معنى السكون.
من لحظة استيقاظه حتى نومه، يُغرق نفسه بموجات لا تنقطع من:
• الإشعارات
• الأخبار
• البودكاست
• الموسيقى
• الفيديوهات القصيرة
• النصوص، الرسائل، التنبيهات…
كل فراغ يُملأ، كل سكون يُكسر.
والنتيجة: عقلٌ مُنهك، لا يجد لحظة واحدة ليسمع فيها نفسه.
من الذي قتل التأمّل؟
الآلة التي صُمّمت لتحرّرنا من الزمن، سلبته منّا.
نظام الإنتاج، والتسويق، والمحتوى الفوري، يدفعك إلى حركةٍ لا تهدأ.
كل دقيقة لا تُستهلك، هي خسارة محتملة.
وهكذا، يصبح التأمّل تهديدًا.
لأن الإنسان المتأمّل يفكّر، ومن يفكّر يتساءل، ومن يتساءل لا يُسيَّر بسهولة.
الصمت صار مُخيفًا
حين يدخل الإنسان في صمتٍ حقيقي، يشعر بالقلق.
لأنه في الغالب لم يعتد أن يواجه أفكاره دون وسائط.
إننا لم نعد نحتمل البقاء مع أنفسنا…
وهذا وحده كافٍ لنفهم حجم الخلل.
من حقك أن تصمت
ليس التأمل تقنية يوجا، ولا منتج رفاهية.
هو حق طبيعي، بل ضرورة عقلية ونفسية.
هو إعادة ضبط للداخل، وفهم للأعمق، وعودة إلى الإنسان كما خُلق: قادر على الإنصات.
إن من لا يعرف أن يصمت، لن يعرف أن يعيش.
خاتمة
في حضارةٍ تقتل التأمّل وتخاف من السكون، يكون التمرّد أن تنسحب قليلًا، أن تطفئ أجهزتك، أن تجلس مع ذاتك… دون هدف، دون إلهاء.
أن تسمع الصمت، لا لتفهمه، بل لتتذكّر أنك لا تزال حيًا.