
بل واجبًا اجتماعيًا.
عليك أن تبتسم. أن تُظهر امتنانك. أن تنشر طاقتك الإيجابية.
وإن لم تفعل… فأنت مشكلة يجب علاجها.
حين تُقمع المشاعر باسم "الإيجابية"
لقد تحوّلت الإيجابية من حالة شعورية،
إلى معيار سلوكي تُقاس به قيمة الإنسان.
• إن كنت حزينًا: فأنت سلبي
• إن كنت غاضبًا: فأنت سام
• إن شكوت: فأنت مُحبَط وغير ناضج
وهكذا يُمنع الألم من التعبير، ويُختزل الحزن إلى ضعف،
وتُمسَخ المشاعر السلبية إلى عيوب أخلاقية يجب التخلص منها.
لكن الإنسان الحقيقي لا يعيش في منحنى تصاعدي دائم.
بل يتأرجح. يحزن. ينهار. يتعافى. وهذا جزء من نضجه، لا نقيضه.
سوق السعادة وصناعة الوهم
منصات التواصل تضخّ يوميًا صورًا لسعادة مصطنعة،
ابتسامات بلا عمق، نجاحات بلا سياق،
حياة مثالية بلا صراع.
والمتلقّي، حين يقارن حياته الواقعية بتلك الصور،
يشعر بالنقص… لا لأنه تعيس،
بل لأنه لا يبدو "سعيدًا بما يكفي" كما يُفترض.
وهكذا، يدخل في حلقة جلد ذاتي صامتة،
تُضاف فيها المعاناة إلى قائمة ما يجب إنكاره.
الإيجابية كأداة للتهرّب الجماعي
كم من مرة شُوّهت العدالة باسم "انظر للنصف الممتلئ"!
وكم من مرة تم إسكات المقهورين بشعارات مثل:
"كل شيء يحدث لسبب"
"ابتسم، فالغد أجمل"
"لا تركّز على السلبيات"
وهكذا تتحوّل الإيجابية إلى أداة لإدامة الظلم، لا لمداواة النفس.
تُستخدم لتسكين الضمير بدل تحريك الواقع.
الحق في أن لا تكون بخير
نحن لا نحتاج إلى ثقافة تُجبرنا على الابتسام،
بل إلى مساحة إنسانية نُعبّر فيها عن هشاشتنا دون خجل.
السعادة ليست التزامًا،
ولا علامة نجاح،
ولا معيارًا للصلاحية.
إنها حالة، تتبدّل، وتتلوّن، وقد تغيب… دون أن يعني ذلك فشلًا.
خاتمة
في حضارة اللاجدوى، حتى المشاعر تُؤدلج،
ويُعاد تشكيل الإنسان ليتوافق مع "الصورة المقبولة".
لكن التمرد الحقيقي اليوم،
هو أن تقول: "أنا لست بخير… وهذا لا يقلل من قيمتي."