
لكن هذا القادم لا يأتي.
وكلما اقتربنا من غايةٍ ما، ظهرت أخرى أكثر بريقًا، أكثر مثالية، لكنها… أبعد.
لقد دخلنا عصرًا لا يُمنح فيه الإنسان المعنى، بل يُؤجَّل له.
وعود مؤجلة إلى ما لا نهاية
منذ الطفولة، يُلقَّن الإنسان أن الحياة الحقيقية لم تبدأ بعد.
• في المدرسة: "اصبر، الجامعة أفضل".
• في الجامعة: "انتظر الوظيفة، هناك تبدأ الحياة".
• في الوظيفة: "تحتاج إلى استقرار، زواج، بيت، أولاد…"
• في الشيخوخة: "حان وقت الراحة… بعد أن تُنجز آخر مشروع!"
ثم يكتشف أنه عاش حياته كلها في الانتظار.
الزمن يُستهلك في التحضير، لا في العيش.
وكأن المعنى ليس شيئًا نعيشه، بل جائزة تُمنَح بعد اجتياز كل الامتحانات.
المعنى كسرابٍ زائف
المجتمع المعاصر لا يريدك أن تتوقف.
لأنك إن توقّفت، تساءلت.
وإن تساءلت، اكتشفت أنّك خُدعت.
كل شيء يُصاغ بطريقة تدفعك للركض نحو شيءٍ لاحق:
• دورة جديدة.
• ترقية قادمة.
• هدف أكبر.
• موسم أقوى.
• تطوّر ذاتي.
• مكافأة مؤجلة.
لكن كلما اقتربت، بَعُد المعنى.
كأننا نُطارد طيفًا لا يتجسد.
العيش المؤقت: لا الآن ولا هناك
في هذا النظام، لا يُسمَح لك أن تسكن الحاضر.
الآن هو مجرد ممر، مرحلة عبور، نقطة انتظار.
ولذلك، حتى حين تأتي لحظة جميلة، تُفسدها الخطة القادمة:
"لا تفرح كثيرًا… القادم أهم!"
وهكذا، يضيع العمر في ما قبل، أو ما بعد…
ولا يعيش الإنسان الآن أبدًا.
من المسؤول؟
لا تسير هذه الخدعة عشوائيًا.
إنها مُبرمجة.
فكلما طال الانتظار، زاد الاستهلاك.
وكلما غاب المعنى، ازداد التعلّق بالشكل.
وكلما شعر الإنسان بالفراغ، سهل توجيهه.
المعنى المؤجَّل هو وسيلة السيطرة المثلى:
أن تُلهي الإنسان بالغاية، دون أن تُعطيه الغاية.
المعنى الحقيقي لا يُؤجَّل
المعنى لا يُكتسب بعد الإنجاز، بل خلاله.
لا يأتي من المستقبل، بل من إدراك الحاضر.
هو ناتجُ الصدق، لا الترقية.
هو شعور بالتجذّر، لا بالوصول.
المعنى يُبنى في التفاصيل، لا في نهايات الطريق.
خاتمة
إن أكبر خدعة في حضارة اللاجدوى أن تجعل الإنسان يُؤجّل نفسه باستمرار.
أن يعيش في الغد، ويُقصي اليوم، وينتظر لحظةً قد لا تأتي.
والتحرر يبدأ حين نقول:
كفى انتظارًا… سأبدأ العيش الآن.