
من ريف الأناضول إلى كرسي الحكم
وُلد مندريس في قلب الأناضول، وسط بيئة محافظة، ثم صعد إلى منصات السياسة من داخل الحزب الجمهوري، لكنه ما لبث أن تمرّد على نسخته المتكلسة، ليؤسس حزبًا جديدًا هو "الحزب الديمقراطي"، في أول تجربة ديمقراطية حقيقية بعد عقود من القهر العسكري والعلمنة القسرية.
لم يكن مندريس "إسلاميًا" على النمط الحركي المعاصر، لكنه كان مسلمًا لا يرى تعارضًا بين الحداثة والإيمان، وبين الدولة والروح. ولهذا السبب بالذات، أثار رعب النخب الكمالية.
الأذان… باللغة التي يفهمها الناس
في لحظة فارقة، قرر أن يُعيد الأذان باللغة العربية بعد أن فُرض بالتركية لعقود، في واحدة من أكثر الخطوات الرمزية والجوهرية في تفكيك إرث التغريب القسري. لم تكن المسألة طقسية فقط، بل كانت إعلانًا أن الهوية ليست جريمة، وأن الدين ليس عدوًا للتقدم.
الاقتصاد يتحسن… والخطر يقترب
شهدت تركيا في عهده ازدهارًا اقتصاديًا ملحوظًا، خصوصًا في المناطق الريفية التي طالما همّشتها نخب المدن. لكن نجاحه لم يكن يُرضي المؤسسة العسكرية ولا الطبقة الأتاتوركية، التي رأت في صعود القيم الإسلامية خطرًا وجوديًا على مشروعها العلماني الصلب.
الانقلاب والإعدام: حين ينتقم النظام من الرموز
في 1960، تمّ الانقلاب عليه من قبل العسكر، وبدأت مسرحية محاكمته بتهم مفبركة. لم يكن الهدف تصحيح المسار السياسي، بل كسر الرمز الذي بدأ يُربك البوصلة الغربية داخل تركيا. وفي لحظة بائسة من التاريخ الحديث، تم إعدامه شنقًا، ليصبح أول رئيس وزراء يُعدم في العالم الإسلامي الحديث، فقط لأنه أراد أن يُصلي الوطن.
خلاصة: الرجل الذي أراد أن يُعيد الوضوء للأمة
عدنان مندريس لم يكن نبيًا، ولم يكن بلا أخطاء، لكنه كان بداية وعي جديد، حاول أن يُصالح بين الدولة والهوية، بين السياسة والإيمان، في زمنٍ كانت العلمنة فيه دينًا مفروضًا بالدبابة.
إن إعدامه لم يكن نهاية فكرته، بل بداية سؤال لا يزال يُؤرّق تركيا والعالم الإسلامي حتى اليوم:
هل يمكن للإسلام أن يحكم… دون أن يُحاكم؟
سلسلة: رجال من زمن السقوط