
فهل حقًا تعاني أفريقيا من "فقر الموارد"؟ أم من "غزارة الأطماع"؟
النهب الممنهج: من العبيد إلى الثروات
المرحلة الأولى من النهب بدأت بالبشر. ملايين من أبنائها اقتُلعوا من جذورهم كأنهم لا ينتمون للأرض، وشُحنوا كالسلع إلى المزارع الغربية، لتُبنى الحضارات الصناعية على أكتافهم المكبلة. لم تكن تجارة العبيد مجرد فصل مظلم، بل كانت تأسيسًا اقتصاديًا لعالمٍ رأسمالي قام على الدم الأفريقي.
ثم جاء الدور على الذهب، والماس، واليورانيوم، والنفط، والكاكاو، وكل ما تختزنه الأرض السمراء. دولٌ بأكملها باتت خرائطها تُرسم بناءً على مواقع المناجم ومصالح الشركات، لا بناءً على هُويات الشعوب أو رغبتها في تقرير المصير. كانت الاستعمار المباشر أداة النهب الأولى، ثم جاء الاستعمار الاقتصادي كنسخة مطورة تُدير النهب عن بُعد، بيد ناعمة تلبس قفاز المؤسسات الدولية.
الاستعمار الناعم: حين يُسمّى النهب تنمية
القرن العشرون شهد استقلالًا شكليًا لغالبية الدول الأفريقية، لكن الهياكل الحاكمة بقيت امتدادًا لذات اليد التي كانت تحتل، بأدوات إعلامية واقتصادية جديدة. القروض، الاتفاقيات التجارية، "برامج الإصلاح الهيكلي"، كلها عبارات براقة تُخفي شروطًا تُفرغ السيادة من معناها، وتُعيد تدوير الفقر كمنتج دائم.
كم من دولة أفريقية تمتلك ثروات عظيمة، لكن شعوبها تموت جوعًا؟ الجواب ليس في ضعف الإدارة فحسب، بل في منظومة دولية تُكافئ النهب وتُعاقب الاستقلال.
السطو على الوعي: حين تُمسخ الهوية
لم يكتفوا بسرقة الجسد والثروة، بل امتدت أيديهم إلى الوعي والوجدان. تم تشويه صورة الأفريقي في الإعلام العالمي كرمز للتخلف والبدائية، وتحويل لغاته الأصلية إلى "لهجات"، وتاريخه إلى "أساطير"، ودينه إلى "خرافة"، وثقافته إلى "فلكلور".
وفي المقابل، تم تصدير نموذج "المخلّص الأبيض" في أفلام هوليوود، ومنظمات الإغاثة، وحتى في المناهج التعليمية التي تدرّس في مدارس أفريقيا نفسها. تم تعليم الطفل الأفريقي أن مستقبله مرهون برضى الغرب، وأن نجاته تأتي من خلف البحار لا من جذوره.
نحو استعادة القارة المخطوفة
إن نقد الواقع لا يكفي دون مساءلة المنظومات الدولية التي تحرس هذا الوضع. فالبنك الدولي ليس جهة محايدة، وصندوق النقد ليس مؤسسة خيرية. والأمم المتحدة لا تحمي الشعوب بقدر ما تحمي موازين القوى.
إن أول خطوة لتحرر أفريقيا تبدأ من الوعي: وعي الذات، وعي التاريخ، وعي المصطلحات. أن يُعيد الأفريقي تعريف الفقر، والسيادة، والتنمية، والهوية، بمعاييره هو، لا بمعايير من نهبوه.
أفريقيا ليست قارة تحتاج للإنقاذ، بل قارة تحتاج أن يُرفع عنها الحصار المعرفي والاقتصادي والإعلامي، لتُعيد بناء نفسها بلغتها، بثرواتها، بأيدي أبنائها.