إيلون ماسك... بين العبقرية والسردية


من يُموّله؟ ولماذا لا يسقط رغم الإفلاس؟
يراقب مسيرة إيلون ماسك منذ بداياته، يندهش من كثرة ما تعرّض له من أزمات مالية، وإفلاسات متكررة، ومشاريع بدت خيالية، ثم نهض منها جميعًا وكأن هناك يدًا خفية تمنع سقوطه.
فهل هو عبقري نادر يستحق كل هذه الثقة؟ أم أنه مجرّد واجهة براقة تُسوّق لمشروع أعمق بكثير من شخصه؟

هذه المقالة لا تتوقف عند الصورة الإعلامية، بل تحاول أن تقرأ بين السطور:
من يُموّل ماسك؟ ولماذا لم يُترك يومًا يسقط؟ وما سر انخراطه المفاجئ في السياسة؟


عبقرية استثنائية... أم نموذج مُعلّب؟

لا خلاف على أن ماسك شخصية ذكية، لكنه ليس مخترعًا بالمعنى الدقيق، ولا هو من بنى بيديه إمبراطورياته التكنولوجية.
معظم أفكاره كانت مطروحة قبله بزمن، وكل مشاريعه يقف خلفها جيش من العلماء والمبرمجين. لكن الفرق أن ماسك حوّل التقنية إلى سردية ملهمة:
صواريخ، سيارات ذكية، رقائق دماغية، مدن مريخية... وكلها تُباع للجمهور بلمسة تسويقية مذهلة.

هكذا، تم تصنيعه كرمز مستقبلي، لا لأنه الأكثر عبقرية، بل لأنه الأكثر قابلية للتمجيد والتوظيف الجماهيري.


تاريخ من الإفلاس... وإنقاذ في الوقت المناسب

ماسك واجه أكثر من لحظة انهيار:

  • في 2008 كانت كل من Tesla وSpaceX على شفا الإفلاس، وصرّح حينها أنه ينام في المكتب ولا يملك إلا القليل.
  • فجأة، تم إنقاذه بعقد مع ناسا تجاوز 1.6 مليار دولار.
  • استمرت شركاته تخسر ماليًا لسنوات، ومع ذلك ظلّ المستثمرون يضخون فيها الأموال وكأنهم على يقين بأنها ستنجو.

هذا النمط يتكرر: يسقط ماسك، ثم يُسعف.
فهل هؤلاء المستثمرون مجرد مقامرين؟ أم أن وراءهم منظومة تعرف بالضبط لماذا يجب أن يبقى ماسك واقفًا؟


مشاريع ماسك ليست عادية... بل أمن قومي

حين نراجع طبيعة الشركات التي أسّسها ماسك، نجد أنها ليست مجرد شركات ربحية، بل أدوات نفوذ جيوسياسي:

  • SpaceX: ترتبط بعقود مباشرة مع البنتاغون ووكالات الدفاع الأمريكية.
  • Starlink: شبكة أقمار صناعية تُستخدم الآن في الحروب لتأمين الاتصالات العسكرية، كما في أوكرانيا.
  • Tesla: ليست فقط سيارات، بل منصة لجمع بيانات القيادة والطاقة.
  • Neuralink: مشروع مقلق يُعنى بزراعة رقائق في الدماغ البشري، بما يحمله من أبعاد أمنية وتحكم سلوكي.
  • X (تويتر سابقًا): المنصة التي تُشرف على النقاش العام العالمي، والتي تحوّلت إلى ساحة تحكم بالرأي.

بالتالي، لا عجب أن يُبقيه النظام واقفًا.
فماسك ليس مجرد رائد أعمال، بل ذراع ناعمة لبنية سلطوية تكنولوجية متقدمة.


لماذا انخرط في السياسة الآن؟

تحوّل ماسك تدريجيًا إلى فاعل سياسي مباشر، ليس بترشّحه للانتخابات، بل بتحكمه في منصة الخطاب العام.
تويتر ليس مجرد موقع تواصل، بل ساحة تُصاغ فيها السياسات، وتُشيطن فيها الأفكار، وتُوجَّه فيها الجموع.

بعد تملّكه تويتر:

  • رفع شعار "حرية التعبير"، لكنه ظلّ يتحكم في الخوارزميات والتضييق الانتقائي.
  • بدأ يروّج لتيارات محافظة مناهضة للنظام الليبرالي الأمريكي.
  • قدّم نفسه كصوت للعقلانية في مواجهة "جنون اليسار".

لكن خلف هذا كله، تقبع الحقيقة:
ماسك دخل السياسة لأن مشاريعه لا يمكن فصلها عن السيادة. فحين تمتلك وسائل النقل، والفضاء، والدماغ، والبيانات، والرأي العام... تصبح السياسة امتدادًا طبيعيًا لمصالحك.


من يُموّله حقًا؟

ربما لا نملك أسماءً واضحة، لكن يمكن قراءة المعادلة:

  • حين تتكرر عمليات الإنقاذ المالي رغم الخسائر، فهذا لا يُسمى استثمارًا بل تمويلًا موجّهًا.
  • حين تُستخدم شركاته في برامج أمن قومي، فهذا لا يعني استقلاله بل ارتباطه بمشاريع دولة عميقة.
  • حين يُفتح له المجال ليمتلك تويتر، ويُسمح له بتعديل حدوده وخوارزمياته، فهذا ليس سوقًا حرة، بل تفويض ضمني للهيمنة الخطابية.

الخلاصة: ماسك ليس شخصًا... بل مشروع

إيلون ماسك ليس مجرد فرد ناجح، بل رواية متكاملة عن "البطل التكنولوجي" الذي يبدو وكأنه يصنع المستقبل وحده، بينما هو في الحقيقة واجهة ناعمة لأجندات كبرى.

فهو لا يسقط، لأنه ليس حرًّا.
ويموَّل، لأنه يُستخدم.
ويُلمّع، لأنه يُسوّق مستقبلًا يُصنع لنا... دون أن نُسأل.

أحدث أقدم
🏠