فروق: من آسيا إلى إفريقيا: كيف تمدّ الصين وروسيا ظلالهما على العالم

Friday, May 9, 2025

من آسيا إلى إفريقيا: كيف تمدّ الصين وروسيا ظلالهما على العالم

في زحمة التحولات الجيوسياسية المتسارعة، تتغير خريطة النفوذ العالمي بصورة درامية تهدد مراكز القوى التقليدية. لم تعد الولايات المتحدة القوة المنفردة القادرة على فرض إرادتها، بل تواجه تحالفًا شرقيًا متعدد الأذرع تقوده الصين وروسيا. هذا التحالف لا ينبني على أيديولوجيا، بل على مصالح استراتيجية تسعى لإعادة توزيع السلطة عالميًا. من إفريقيا إلى آسيا، تتوسع شبكات النفوذ الشرقي على حساب التراجع الأميركي. فهل نحن أمام نهاية العصر الأميركي وبداية نظام عالمي جديد؟

تحالفات تصعد وأحادية تنهار

التحالف الشرقي وصراع النفوذ العالمي: نهاية الأحادية الأميركية؟

شهد العالم خلال العقدين الأخيرين تحولات كبرى في موازين القوى الدولية، تمثلت في صعود قوى غير غربية – على رأسها الصين وروسيا – تشكل ما يُعرف اليوم بـ"التحالف الشرقي"، أو الحلف المناهض للهيمنة الأميركية. هذا التحالف لا يقوم على أيديولوجيا موحدة، بل على هدف مشترك هو تقويض التفوق الأميركي وإعادة تشكيل النظام العالمي بما يخدم مصالحه الخاصة.

تمرد إفريقي وصعود شرقي: مؤشر على تراجع النفوذ الغربي

بدأت مظاهر هذا التحول بالظهور أكثر وضوحًا في إفريقيا، حيث شهدت السنوات الأخيرة حركات تمرد سياسي على الهيمنة الأوروبية، وتوجهًا متزايدًا نحو شركاء جدد كالصين وروسيا. هذا التمرد لم يكن عشوائيًا، بل جاء نتيجة تراكمات طويلة من التهميش والاستغلال من قبل القوى الاستعمارية التقليدية. هنا برزت روسيا كفاعل عسكري وأمني سريع، بينما ظهرت الصين كشريك اقتصادي وتنموي متكامل.

روسيا: نفوذ تكتيكي عبر الفوضى والتحالفات السريعة

روسيا، على الرغم من ضعفها الاقتصادي مقارنة بالصين، نجحت في التمدد داخل إفريقيا وأمريكا اللاتينية عبر أدوات غير تقليدية:

  • شركات أمنية خاصة (مثل مجموعة فاغنر)،
  • دعم أنظمة متمردة على الغرب،
  • تقديم نفسها كبديل يحترم السيادة الوطنية دون شروط سياسية.

لكن هذه الاستراتيجية، رغم نجاحاتها المؤقتة، تفتقر إلى الاستدامة وتعتمد على وجود أنظمة هشة تبحث عن حماية عاجلة أكثر من شراكات تنموية بعيدة المدى.

الصين: نفوذ استراتيجي ناعم ومتدرج

في المقابل، تمثل الصين الخطر الحقيقي طويل الأمد على الهيمنة الأميركية. فهي تبني نفوذها عبر:

  • مشروع "الحزام والطريق" الذي يربط آسيا بإفريقيا وأوروبا،
  • استثمارات ضخمة في البنية التحتية والموانئ،
  • تقديم قروض وتنفيذ مشاريع مقابل النفاذ إلى الأسواق والموارد.

نجحت الصين في تأمين علاقات اقتصادية قوية مع أكثر من 40 دولة إفريقية، وباتت تُرى كشريك موثوق في التنمية، رغم تصاعد المخاوف من "فخ الديون".

تحليل مقارن للنفوذ في إفريقيا وآسيا

المجالالصينروسيا
الأداة الرئيسيةالاقتصاد والاستثمارالسلاح والدعم الأمني
نموذج التأثيرتدريجي، مؤسسي، طويل الأمدسريع، غير مستقر، يعتمد على الفوضى
الوجود العسكريمحدود ومدروس (مثلاً قاعدة جيبوتي)قائم على المرتزقة والقواعد غير الرسمية
القبول الشعبيمرتفع نسبيًا، رغم تصاعد النقد مؤخرًاضعيف، وغالبًا مرتبط بالأنظمة فقط


تحالف يزاحم أمريكا لاختراق الهيمنة

رغم التفاوت بين الصين وروسيا في الأدوات والقدرات، إلا أن تحالفهما مع قوى أخرى (إيران، كوريا الشمالية، وبعض دول "بريكس") يُنتج قوة جيوسياسية ضاغطة على الولايات المتحدة. هذا التحالف يسعى إلى:

  • كسر النظام المالي العالمي الذي يهيمن عليه الدولار.
  • تأسيس مؤسسات بديلة لصندوق النقد والبنك الدولي.
  • إضعاف التفوق العسكري الأميركي عبر التهديد المتزامن في عدة جبهات.

التأثير على الولايات المتحدة: الخروج من المركز

تواجه واشنطن اليوم تحديات لم تعهدها حتى في الحرب الباردة:

  1. تآكل الهيمنة الدولية: فشلها في الحفاظ على مواقع استراتيجية (مثل إفريقيا) يتيح لقوى أخرى التمدد على حسابها.

  2. تشتيت استراتيجي: الصين في آسيا، روسيا في أوروبا، إيران في الشرق الأوسط – كلها جبهات تستنزف مواردها وتُضعف تركيزها.

  3. ضعف الحلفاء: انكشاف الحلفاء التقليديين (كأوروبا) أمام روسيا، وتذبذب العلاقات مع دول الجنوب العالمي، يقلل من قدرة أميركا على بناء جبهة موحدة.

  4. التهديد التكنولوجي والاقتصادي: المنافسة في مجالات الذكاء الاصطناعي والطاقة والاتصالات تهدد التفوق الأميركي البنيوي.

النتيجة: تحالفات غير أيديولوجية ضد المركزية الأميركية

ما يميز التحالف الشرقي أنه لا يقوم على إيديولوجيا موحدة (كما كان الحال بين الشيوعية والرأسمالية)، بل على منطق المصالح ومقاومة الهيمنة الغربية. هذه البراغماتية تجعل منه تحالفًا مرنًا، متغيرًا، وأكثر قدرة على امتصاص الضغوط، خاصة أن واشنطن باتت تُرى – في نظر الكثير من دول الجنوب – كقوة مترددة، تتخلى عن حلفائها أحيانًا، أو تضع شروطًا ثقيلة لا تحقق مصلحة الطرف الآخر.


خاتمة: عالم متعدد الأقطاب قيد التشكل

يتّجه العالم نحو نظام متعدد الأقطاب، لم يعد للولايات المتحدة فيه اليد العليا المطلقة. لا يعني هذا زوال القوة الأميركية، لكنها لم تعد قادرة على احتكار النفوذ وحدها. التحالف الشرقي، رغم تباين مصالح أطرافه، يمثل أبرز تحدٍ استراتيجي للهيمنة الأميركية، وقد يكون حجر الزاوية في رسم ملامح النظام العالمي القادم.


. . . في العمق يتجلى الفرق . . .