
علماء السلاطين: الدين حين يُجنّد لخدمة السلطة
من هم علماء السلاطين؟
هم العلماء الذين يُسخّرون علمهم الديني لخدمة مطالب الحاكم، سواء بتبرير قراراته، أو إسكات المعترضين عليه، أو تحريف مفاهيم الشريعة لتنسجم مع مصالحه. لا يُشترط فيهم أن يكونوا فاسدين في أصلهم، بل قد يكون بعضهم طالب علم بدأ بإخلاص، ثم انجرف تدريجيًا، أو استُقطب قهرًا أو طوعًا. الفارق الجوهري هو أن ولاءهم النهائي لا يكون للحق أو للشريعة، بل للسلطان.
كيف يتم تجنيدهم؟
أولًا: علماء يُستقطبون لاحقًا
يبدأ بعض العلماء رحلتهم بصدق، لكنهم يُستدرجون عبر مراحل:
- الترغيب والترهيب: تُعرض عليهم المناصب، أو تُلوّح لهم بالعقوبة إن عارضوا.
- العزلة الاجتماعية: يُغمرون بالامتيازات، فينفصلون عن معاناة الناس.
- التدرج في التنازل: يُقنعون أنفسهم بذرائع مثل "درء الفتنة" أو "فقه الموازنات"، حتى يُصبحوا جزءًا من المنظومة دون رجعة.
ثانيًا: علماء صُنعوا لهذه الوظيفة
بعضهم لم يُستقطب، بل أُعدّ خصيصًا ليكون في هذا الدور:
- تكوين أكاديمي موجّه: يتربّى في مؤسسات دينية رسمية تابعة للدولة، تُفرّغ الدين من بعده المقاوم.
- الترقية الموجَّهة: من يُظهر الولاء يُلمَّع ويُقدَّم للجمهور باعتباره "المرجع الشرعي".
- تدريب على الخطاب السلطوي: يُعلّم كيف يستخدم النصوص لتبرير الطغيان، لا مقاومته.
أدواتهم في تمرير مطالب الحاكم
-
الفتوى الموجَّهة: تُستخدم لتبرير قرارات سياسية، حتى لو خالفت نصوصًا قطعية.
-
إضفاء الشرعية: يُطلقون أوصافًا شرعية على الحكام، كـ"ولي الأمر"، لإسقاط أي دعوة للمحاسبة أو التغيير.
-
تحريف المفاهيم: يُحوّرون مفاهيم مثل الطاعة، أو درء الفتنة، لتُصبح سلاحًا ضد الشعوب.
-
شيطنة المعارضين: يتهمون من يعترض بالخروج أو بالبدعة أو بالإرهاب، تمهيدًا لقمعه من قبل السلطة.
العلاقة مع السلطة: مصالح متبادلة
الحاكم يحتاج غطاءً دينيًا يُجمّل قراراته، والعالم السلطاني يحتاج دعمًا ومكانة ونفوذًا لا ينالها لو بقي مستقلاً. إنها علاقة تبادل منافع لا تقوم على مصلحة الأمة، بل على تثبيت أركان الحكم.
مقارنة برجال الدين في الأديان الأخرى
في السياق الغربي، وخصوصًا في الكنائس البروتستانتية الليبرالية، قام بعض رجال الدين بالدور ذاته: تأويل النصوص لتنسجم مع قوانين الدولة، حتى لو خالفت عقيدة الإنجيل، كتحليل زواج المثليين أو الترويج للإلحاد الناعم. وفي السياق اليهودي، يمارس بعض الحاخامات الصهاينة هذا الدور بتطرف أكبر، حيث يُضفون شرعية دينية على الاحتلال والقتل، ويبررون التمييز العنصري على أساس ديني، باعتباره "وصية إلهية". جميعهم يشتركون في تطويع الدين لخدمة مشروع سياسي، سواء كان دولة، أو أيديولوجيا، أو سلطة قومية.
مصير العلماء المعترضين
في مقابل علماء السلاطين، يُقصى العلماء الصادقون:
- يُمنعون من التدريس أو الخطابة.
- يُشهر بهم إعلاميًا.
- يُتهمون بالخروج أو "تهييج الرأي العام".
- يُسجنون أو يُنفون أو يُغتالون معنويًا أو فعليًا.
هذه الملاحقة ليست طارئة، بل جزء من هندسة المشهد الديني، ليبقى الصوت الوحيد المسموع هو صوت الطاعة، لا النصيحة.
خلاصة
علماء السلاطين ليسوا مجرد منحرفين فرديين، بل أدوات في يد السلطة تعيد تشكيل وعي الأمة، وتُطفئ جذوة المقاومة، وتُحول الدين إلى خطاب خامل منزوع الروح. مقاومة هذا النموذج تبدأ بالوعي، وبإعادة الاعتبار للعلماء الصادقين، وبفهم أن الدين لا يكون خادمًا للسلطة، بل حَكَمًا عليها.
. . . في العمق يتجلى الفرق . . .
