فروق: الإعلام العالمي: صراع بين الهيمنة وكسر الاحتكار

Friday, May 9, 2025

الإعلام العالمي: صراع بين الهيمنة وكسر الاحتكار

على مدار عقود، احتفظت مؤسسات الإعلام التقليدي بموقع شبه حصري في تشكيل الرأي العام العالمي. تلك المنصات، التي نشأت في بيئات غربية مؤسساتية أو نُخبوية، صاغت معايير "الخبر" و"الرأي العام" وفق منظومة مصالح معقدة، تتداخل فيها الاعتبارات السياسية والاقتصادية والثقافية. لكن، ومع تراكم الأزمات، وتكرار التغطيات الانتقائية، بدأت الثقة تتآكل تدريجيًا، خاصة في القضايا العابرة للحدود أو المرتبطة بصراعات عادلة لكنها مُهمشة في التناول الإعلامي السائد.

المعسكر الموازي: كسر الاحتكار لا صناعة الفوضى
في مقابل هذا التيار، بدأ معسكر إعلامي موازٍ بالبروز، لا كمجرد رد فعل، بل كمحاولة واعية لإعادة التوازن في المشهد العالمي. هذا المعسكر لا يعتمد على البنى التحتية التقليدية، بل يستثمر في الإعلام المستقل، ومنصات التوثيق الشعبي، وصحافة المواطن، والجهود الجماعية لكشف ما يُقصى من التغطية الرسمية. التحدي الأكبر أمام هذا المعسكر لا يكمن فقط في التمويل أو الوصول، بل في الحفاظ على المصداقية وسط فوضى المعلومات، وتجنب الوقوع في الانفعال العاطفي أو التوظيف السياسي.

وسائل التواصل: منصة الضمير العالمي
ربما لم تلعب أي أداة حديثة دورًا محوريًا في قلب موازين التأثير كما فعلت وسائل التواصل الاجتماعي. لقد منحت الأفراد العاديين القدرة على تحويل الهواتف إلى منصات بث، والقصص الشخصية إلى قضايا رأي عام. في كثير من الأزمات، كانت لحظة عابرة موثقة بهاتف جوال كافية لإعادة تشكيل خطاب عالمي، وكسر جدران التعتيم الإعلامي. هذه المساحة، رغم فوضويتها أحيانًا، كشفت عن قدرة مذهلة على استدعاء الضمير العالمي، وتحويل المشاعر إلى ضغط فعلي يتجاوز الجغرافيا والسياسة.

الوجه الخفي للصراع: شراء الأصوات والذباب الإلكتروني
لكن هذا الصراع لم يخلُ من أدوات غير نزيهة. ففي مواجهة الإعلام الحر أو الصوت المستقل، تلجأ أطراف متعددة إلى شراء الأصوات الإعلامية عبر تمويل مشروط، أو تقديم امتيازات مقابل الصمت أو الانحياز. وفي حالات أخرى، يُستخدم التهديد، سواء بشكل مباشر أو عبر حملات تشويه ممنهجة. كما أصبح الذباب الإلكتروني ظاهرة منظمة: آلاف الحسابات المبرمجة والموجهة التي تعمل على إعادة تدوير خطاب معين، وخلق انطباع بوجود "رأي عام" لا يمثل بالضرورة الاتجاه الفعلي للناس.

معركة المعنى وشرعية الرواية
في جوهر هذا الصراع، يكمن سؤال أكبر من الخبر ومنصات النشر: من يمتلك حق تفسير الواقع؟ من يقرر ما هو الظلم؟ من يحدد من يستحق التضامن، ومن لا صوت له؟ هذا ليس خلافًا بين صحف أو قنوات، بل صراع على شرعية الرواية، واحتكار المعنى، وإعادة تعريف من هو الإنسان "القابل للتصديق"، ومن يُحكم عليه بالنسيان.

نحو إعلام متعدد لا مفرّق
أمام هذا المشهد، يصبح من الملح أن لا يتحول الإعلام الحر إلى ساحة مفتوحة للفوضى، ولا أن يبقى الإعلام التقليدي محتكرًا للصوت. التعددية الحقيقية لا تعني فقط تنوع المنصات، بل تنوع الروايات، وتكافؤ الفرص في التعبير. الطريق نحو إعلام أكثر توازنًا لا يمر بإسكات طرف لصالح آخر، بل بكسر المركزية، وفتح المجال أمام وعي نقدي يستطيع أن يفرّق بين المعلومة والدعاية، بين الصوت الحر والصوت المدفوع.


. . . في العمق يتجلى الفرق . . .