المغول: من هم ومن التتار؟ تفكيك الخلط التاريخي بين التسميتين

يشتهر في السرديات التاريخية خلطٌ شائع بين مصطلحي "التتار" و"المغول"، حتى بات كثيرون يظنون أن أحدهما فرع من الآخر، أو أن التسميتين تدلان على كيان واحد. هذا اللبس تعزز بفعل الاستخدام المجازي في المصادر، والتداخل العسكري بين القبيلتين أثناء الاجتياح الذي اجتاح العالم الإسلامي في القرن السابع الهجري. لكن الحقيقة أن التتار والمغول قبيلتان مختلفتان عرقيًا وتاريخيًا، ولكلٍّ منهما مسار سياسي مستقل. المقال يفكك أوجه التشابه والاختلاف، ويكشف الجذور الحقيقية لهذا الخلط التاريخي.


يتكرر في المصادر، والأحاديث الشعبية، وحتى على ألسنة بعض الدعاة والمؤرخين، خلط شائع بين "التتار" و"المغول"، حتى ليُخيَّل للبعض أن الكلمتين مترادفتان، أو أن إحداهما فرع من الأخرى. ولعل الأكثر شيوعًا هو الاعتقاد بأن المغول فرع من التتار، أو العكس. فهل هذا صحيح؟ وما أصول هذا الخلط؟ وهل كان للتتار كيان سياسي يوازي إمبراطورية المغول، أم أن دورهم كان ثانويًا؟ هذا ما سنفصّله في هذا المقال لفهم الفروق الجوهرية بين الكيانين.


الأصل العرقي والثقافي: قبيلتان لا قبيلة واحدة

التتار والمغول قبائل آسيوية من البادية الشمالية الشرقية، لكنهما ينتميان إلى عرقين مختلفين:

  • التتار: قبائل تركية الأصل، معروفة منذ القرن الخامس الميلادي، استوطنت سهوب آسيا الوسطى وشمال الصين.
  • المغول: قبائل مغولية (تونغوزية-أوراسية)، عاشت في هضبة منغوليا، وكانت لغتها وثقافتها مغايرة للتقاليد التركية التتارية.

وعليه، فالعلاقة بين التتار والمغول ليست علاقة أصل وفرع، بل علاقة تجاور وتداخل قبلي في بيئة بدوية قاسية، جمعت بين الصراع أحيانًا، والتحالف القسري أحيانًا أخرى.


من العداء إلى الاندماج القسري

قبل صعود جنكيز خان، كانت التتار أعداء مباشرين للمغول، بل تحالفوا مع أسرة جين الصينية ضدهم. وحين بدأ جنكيز خان توحيد القبائل، قام بأكبر حملة تطهير قبلي ضد التتار، فذبح أعدادًا ضخمة منهم، ثم دمج من تبقّى في صفوف جيشه ضمن مشروعه الإمبراطوري.

وبعد قيام الدولة المغولية، دخل كثير من التتار في جيوشها، إما كجنود أو إداريين، ما أدى إلى ذوبان الهوية التتارية داخل البنية العسكرية المغولية.


لماذا ساد الخلط بين التتار والمغول؟

هذا الخلط لم ينشأ عبثًا، بل له أسبابه التاريخية والثقافية:

  1. المصادر الأوروبية كانت تطلق على جيوش المغول اسم "Tartars"، وتحمله إلى العالم الإسلامي عبر الترجمات والاتصالات، ما عمّق الخلط بين التسميتين.

  2. بعض المؤرخين المسلمين – خاصة في الشام ومصر – استخدموا مصطلح "التتار" للدلالة على الغزاة بشكل عام، بينما كان الفاعلون الحقيقيون هم المغول بقيادة هولاكو.

  3. التداخل العسكري والسياسي بين التتار والمغول في الإمبراطورية جعل من الصعب التمييز بين الجندي التتاري والجندي المغولي في صفوف الجيش، خصوصًا من منظور المناطق التي كانت ضحية للاجتياح.

  4. التوظيف الوعظي والرمزي في الخطاب الديني، حيث أصبحت "التتار" كناية عن الكوارث والمحن، لا كقبيلة ذات هوية سياسية محددة.


هل كان للتتار كيان سياسي يماثل المغول؟

الإجابة الحاسمة: لا.

  • المغول أسسوا تحت جنكيز خان وأبنائه أضخم إمبراطورية برّية عرفها التاريخ، امتدت من الصين إلى قلب أوروبا.
  • أما التتار، فلم يملكوا كيانًا موحدًا أو مشروعًا إمبراطوريًا، بل عاشوا إما:
    • ضمن الإمبراطورية المغولية.
    • أو في دويلات صغيرة ظهرت لاحقًا، بعد تفكك المغول، مثل:

      • خانية القرم (تتار القرم)
      • خانية قازان
      • خانية أستراخان
وكلها كانت كيانات إقليمية محدودة التأثير، بل بعضها كان تابعًا للدولة العثمانية أو تحت تهديد الروس.


وماذا عن "فتنتي التتار والمغول" في التاريخ الإسلامي؟

يُشاع أن الأمة الإسلامية ابتُليت بفتنتين على رأس كل مائة عام: "فتنة التتار" و"فتنة المغول".
لكن بالتحقيق، يتبين أن هاتين الفتنتين هما مرحلتان من كارثة واحدة:

  • المرحلة الأولى: غزو جنكيز خان لبلاد ما وراء النهر وخراسان (بداية القرن السابع الهجري).
  • المرحلة الثانية: سقوط بغداد على يد هولاكو عام 656هـ.

وفي كلا المرحلتين، كان القادة الفاعلون مغولًا، لكن بعض المصادر سمتهم "تتارًا" مجازًا أو تقليدًا للمصادر الأجنبية، مما عزز الخلط وأوهَم بوجود فتنتين مستقلتين.


الخلاصة:

الجانب التتار المغول
الأصل العرقي تركي مغولي (تونغيزي)
الظهور التاريخي أقدم، قبل جنكيز خان ظهروا كقوة موحدة مع جنكيز خان
العلاقة الأولية خصومة ثم اندماج قسري دمجوا التتار ضمن مشروعهم الإمبراطوري
الدولة السياسية دويلات متفرقة بعد المغول إمبراطورية كبرى موحدة
القادة العسكريون لم يبرز منهم قادة عالميون جنكيز خان، هولاكو، قوبلاي خان، وغيرهم
الخلط في التسمية شاع استخدام "تتار" كمجاز اسمهم الحقيقي في كل الغزوات الكبرى


أحدث أقدم
🏠