بدايات الانفتاح الغربي: حين خُدعت المرأة وانهارت الأسرة

شهد الغرب منذ القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تحولات عميقة في بنية المجتمع، تحت لافتات التحرر والحداثة. بدأ ما يسمى بـ"الانفتاح المجتمعي" كحراك تحرري ضد الاستبداد الكنسي والقيود الطبقية، لكنه لم يلبث أن تحول إلى مشروع عميق لتفكيك الأسرة، وتغيير موقع المرأة من قلب المجتمع إلى سلعة تُعرض في الأسواق. لم يكن الانفتاح مجرد تطور اجتماعي، بل كان هندسة ثقافية ممنهجة، دفعت المرأة ثمنها غاليًا باسم الحرية، وتهاوت فيها الأسرة باسم الفردانية.

جذور التحول: من الثورة إلى الفردانية

جاءت الثورة الفرنسية لتكسر قيود الإقطاع والكنيسة، فكان ذلك مقدمة لتحولات فكرية كبرى. رفعت شعارات الحرية والمساواة، لكنها سرعان ما جعلت الفرد مركز العالم، بدلًا من الأسرة أو الدين أو الأخلاق. ومع تصاعد الليبرالية، أصبحت الحرية قيمة مطلقة، دون حدود شرعية أو أخلاقية. هذه الفردانية أسّست لتآكل البنى الاجتماعية التقليدية، وعلى رأسها مؤسسة الأسرة، حيث بات الانفصال عنها علامة تحرر لا علامة تمرد.

المرأة من الأم إلى الأداة

في ظل صعود الرأسمالية، كان لا بدّ من توسيع سوق العمل، فاستُدرجت المرأة تدريجيًا إلى المصانع والمكاتب، تحت شعارات الاستقلال. لم يُطرح ذلك كخيار، بل كحتمية اقتصادية واجتماعية. فتحوّلت من ركن حيوي في بناء الأسرة وتربية الأجيال، إلى عامل يُقاس بأدائه الإنتاجي.

بل الأدهى أن جمالها استُغلّ كأداة تسويق، وجسدها صار منتَجًا استهلاكيًا في الإعلام والدعاية، فانتقلت من موقع "الذات الفاعلة" إلى "الموضوع المعروض". وفُرض عليها أن ترى بيتها قيدًا، وزوجها خصمًا، وأمومتها عبئًا. ومع الوقت، صارت حقوقها مرتبطة بمدى تحررها من كل دور اجتماعي.

تآكل الأسرة: من الوحدة إلى التفكك

حينما تفككت المرجعيات الأخلاقية، وفُرضت القيم الفردانية، بدأت الأسرة الغربية تتفكك. أصبحت العلاقات الزوجية مؤقتة، ونسبة الطلاق ارتفعت بشكل مروّع، وظهرت أنماط جديدة من التعايش (المساكنة، الأسرة أحادية الطرف، العلاقات المفتوحة)، دون أي التزام أو مسؤولية. أما الأطفال، فصاروا غالبًا ضحايا لهذه الفوضى، يتربّون في بيئات غير مستقرة، تغيب فيها القيم الثابتة.

وفي ظل هذا التفكك، صارت الدولة تُعوّض دور الأسرة، لا بالدعم، بل بالرقابة والتدخل، عبر قوانين تجرّم التأديب، وتفكك سلطة الأب والأم، وتمنح الطفل "حرية تقرير مصيره" ولو ضد والديه.

الإعلام: راعي الانحلال الثقافي

لم يكن هذا التحول تلقائيًا. لعب الإعلام الغربي دورًا محوريًا في ترويج هذا النمط من "الحرية" بوصفه النموذج الأمثل. صُوِّرت الفتاة المحافظة كمتخلفة، والمرأة الملتزمة كأسيرة، والأمومة كعبء. وصُنع من الفنانة الجريئة والموديل المتحررة رموزًا جديدة للجمال والنجاح، دون أي اعتراف بالنتائج المدمرة على صعيد النفس والأسرة والمجتمع.

هل كان البديل حتميًا؟

يبرر كثير من المفكرين الغربيين هذا الانحدار بأنه ثمن "التحرر من الاستبداد". لكن الحقيقة أن المجتمع الغربي لم يتحرر، بل انتقل من استبداد الكنيسة إلى استبداد السوق، ومن عبودية الدين المشوَّه إلى عبودية الرغبة والربح. والمرأة لم تتحرر فعليًا، بل أُعيد تشكيل وعيها، حتى باتت تُطالب بما يضرها، وتتبرأ مما يحفظها.

خاتمة

ما يسمّى بـ"الانفتاح الغربي" لم يكن انفتاحًا نحو الحقيقة، بل انفتاحًا نحو فراغ المعنى، وسلخ الإنسان عن هويته الطبيعية. المرأة، التي كانت مركز الحنان والسكينة، تحولت إلى ضحية تُدافع عن جلّادها. والأسرة، التي كانت الحضن الآمن، صارت مؤسسة متهمة يجب تفكيكها. وما زال الإعلام يصدّر هذا النموذج للعالم، مدّعيًا أنه قمة التحضر.

لكن هل نحن ملزمون بتكرار نفس الخطأ؟ أم آن لنا أن نتأمل في النتائج قبل أن نتبنى الشعارات؟

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.