
المجموعة الثانية: الاستعمار، الحروب، والهيمنة المباشرة
المقال (6): الاستعمار الجديد – الشركات العابرة بدل الجنود
المقدمة
انتهى زمن الجيوش التي تحتل وتُعلن الوصاية، وجاء زمن الشركات التي تغزو بلا رصاص. الاستعمار الجديد لا يحتاج إلى معاهدات احتلال، بل عقود استثمار، ولا يرفع أعلامه على المباني الحكومية، بل يزرع شعاراته في كل شاشة وجهاز. إنه احتلال بأدوات السوق، واستعمار بتوقيع المدير التنفيذي.
المسلمة المزعومة
أن العولمة الاقتصادية والانفتاح على الشركات العالمية يصبّ في مصلحة الشعوب، ويوفر فرص العمل ويحقق النمو.
تُقدَّم الشركات العابرة للقارات كقوة تقدمية تدفع عجلة التنمية في دول الجنوب.
الهدف منها
- نهب الموارد الطبيعية عبر عقود مجحفة.
- تحويل الاقتصادات المحلية إلى ملحقات خدمية للسوق العالمي.
- خلق تبعية تقنية وغذائية وتوظيفية للغرب.
- إزاحة المنتج المحلي وتدمير الصناعات الناشئة.
- فرض أنماط استهلاك وقيم ثقافية متوافقة مع مصالح السوق العالمي.
الأساليب المستخدمة
- الاستحواذ الناعم: شراء الشركات الوطنية ومفاصل البنية التحتية الحيوية.
- الخصخصة المشروطة: فرضها كشرط للتمويل والمساعدات، فتنتقل الملكية إلى أيدي أجنبية.
- التسويق الثقافي: تصدير القيم الغربية ضمن المنتجات والخدمات (من ماكدونالدز إلى نتفليكس).
- تكييف القوانين المحلية: لضمان حماية مصالح المستثمر الأجنبي ولو على حساب السيادة.
- صناعة حاجات زائفة: دفع المجتمعات الفقيرة لاستهلاك ما لا تحتاجه، وربط الكماليات بهوية "العصرنة".
النتائج الواقعية
- إفقار الفلاحين والحرفيين بعد دخول سلع مدعومة خارجيًا.
- ارتفاع معدلات البطالة الهيكلية نتيجة تفكيك الاقتصاد المحلي.
- تحول الحكومات إلى خدم لمصالح المستثمرين بدل المواطنين.
- تسليع التعليم والصحة والموارد المائية.
- تآكل الثقافة المحلية تحت ضغط النموذج الاستهلاكي العابر للقارات.
الشركة لم تعد تبيع منتجًا فقط، بل تبيع شكل الحياة، وتحدد كيف نأكل، نلبس، نتواصل، ونتخيل أنفسنا.
الخاتمة
حين يتحول الوطن إلى سوق، والمواطن إلى مستهلك، تصبح مقاومة الاستعمار الجديد معركة وعي قبل أن تكون معركة سياسة. الشركات العابرة لا تحتل الأرض، بل تشتريها؛ ولا تفرض أوامر عسكرية، بل تُملي سياسات اقتصادية باسم الكفاءة والربحية. فهل نعي الفخ قبل أن يُغلق علينا تمامًا؟