
الخطاب السائد اليوم في المؤتمرات الدولية، كما في الإعلام الغربي والعربي الرسمي، ليس خطابًا يبحث جذور الصراع، بل يسعى لتصفية المقاومة بوصفها المشكلة، لا الاحتلال الذي أنشأها.
التفكيك الانتقائي: عندما يُجرّم الحق ويُشرعن الباطل
من الذي أنشأ حماس؟ لم تولد من فراغ، بل من رماد النكبة، ومن جرح غزة المغلقة، ومن الحصار والقصف والتجريف والاعتقال. إنها رد فعل طبيعي على منظومة استعمارية اسمها "إسرائيل"، دولة قامت على التطهير العرقي والتهجير المنظّم وقتل الهوية.
ومع ذلك، يُطالب العالم اليوم بتفكيك "المقاومة" وليس "الاحتلال". كأن المعضلة في من يُدافع لا من يهاجم، في من يُقاوم لا من يُغتصِب الأرض.
فأي منطقٍ هذا الذي يُلغي السبب ويعاقب النتيجة؟
إسرائيل: مشروع لم يولد للسلام
منذ تأسيسها، لم تكن إسرائيل كيانًا طبيعيًا. هي مشروع استعماري زرعته القوى الغربية في قلب المنطقة العربية، بوظيفة استراتيجية لا تزال سارية: تفتيت المنطقة، ومنع وحدتها، واحتواء ثرواتها.
هذه الدولة لا تنتمي إلى المحيط، ولا تتعامل مع شعوبه إلا بمنطق القلعة المعزولة والعدو المتربص. فكيف يُمكن أن تكون جزءًا من "سلام شامل" وهي تقوم على نفي الآخر بالكامل؟
إن المطالبة بتفكيك حماس، بينما يُترك هذا الكيان قائمًا، يعني ببساطة شرعنة الاحتلال وتجريم مقاومته.
المقاومة ليست المشكلة.. بل الدليل على وجود المشكلة
المقاومة — سواء كانت حماس أو غيرها — ليست استثناء فلسطينيًا، بل هي القاعدة في كل سياقات الاحتلال. هل كان العالم سيطالب بتفكيك مانديلا؟ أو بحظر جبهة التحرير الجزائرية؟ أو بإسكات ثوّار فيتنام؟
الواقع أن كل مقاومة مشروعة وُلدت من رحم ظلم منظّم. والمقاومة الفلسطينية ليست شذوذًا، بل تعبيرًا عن معادلة واضحة: طالما هناك احتلال، ستكون هناك مقاومة.
فلماذا يُراد لهذه القاعدة أن تُنسى فقط حين يكون الاحتلال إسرائيليًا والمقاومة فلسطينية؟
سؤال ممنوع: لماذا لا يُطرح تفكيك إسرائيل؟
السؤال الذي لا يُطرح، بل يُمنع طرحه، هو: لماذا لا يُناقش العالم تفكيك المنظومة الصهيونية ذاتها؟ لماذا لا يُطلب من إسرائيل أن تُسلّم بسقوط مشروعها الاستعماري، وأن تُعيد الأرض لأهلها وتتحول إلى كيان مدني متساوٍ أو تنحل بالكامل كما حصل مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا؟
لأن مثل هذا الطرح يهزّ الجذور التي قامت عليها شرعية الغرب ذاته في المنطقة: شرعية القوة، لا الحق. وشرعية السيطرة، لا الحرية.
إن تفكيك حماس وحدها هو تفكيك للعرض لا للمرض. أما تفكيك إسرائيل – بمعناها كمنظومة استعمارية إحلالية – فهو التفكيك الحقيقي الذي يقود إلى السلام العادل.
الخلاصة: من يملك الحق في الدفاع عن نفسه؟
السؤال الذي يجب أن نعيد صياغته ليس: هل يحق لإسرائيل الدفاع عن نفسها؟ بل:
من يملك الحق في الدفاع عن نفسه؟
المحتل الذي يملك طائرات، أم الشعب الذي لا يملك حتى مطارًا؟
إن الحديث عن السلام دون إنهاء الاحتلال، وعن دولة فلسطينية دون مقاومة، وعن حلول سياسية دون عدالة تاريخية، ليس إلا مسارًا لتأبيد الاستعمار بلباس دبلوماسي.
الحق لا يُفكّك، بل يُحرَّر.