
فمنذ اتفاقيات أوسلو وحتى اليوم، تحوّل "حل الدولتين" إلى أداة خطابية تُدار بها الأزمة بدل حلّها، وتُستخدم لتجريم المقاومة وشرعنة التوسّع الإسرائيلي. فما الذي يجعل الغرب يتمسّك بهذه الصيغة لفظيًا، بينما يرعاها عمليًا لتظل معلّقة في الهواء؟ ولماذا تُطرَح بشروط تؤدي إلى تصفية القضية لا إلى إنصافها؟ هذا ما سنكشفه من خلال تفكيك الخطاب الغربي، وتحليل منظومته السياسية التي تتعامل مع فلسطين كملف تحكم استراتيجي لا كقضية إنسانية أو قانونية.
أولًا: حل الدولتين كأداة خطابية وليست مشروعًا حقيقيًا
بداية، يجب أن ندرك أن الغرب منذ أوسلو يتعامل مع "حل الدولتين" كعبارة طنانة تملأ بها البيانات والبيانات فقط. لم تُمارَس ضغوط فعلية على إسرائيل لوقف الاستيطان أو احترام قرارات الشرعية الدولية. بل إن الدعم العسكري والسياسي لإسرائيل ظلَّ مستمرًا بكل قوة، حتى في أوقات ارتكابها جرائم حرب أو تجاوز الاتفاقيات.
كما أن الاعتراف الدولي بفلسطين ظلّ محدودًا وشكليًا، لا يمنحها مقومات الدولة الحقيقية، بل دولة بأدوات سياسية وإدارية متقهقرة. هذه السياسة تكشف أن حل الدولتين ليس سوى ستار يخفي استمرار الاحتلال، ويحول دون تحقيق الحقوق الوطنية الفلسطينية.
ثانيًا: شروط الغرب لحل الدولتين هي وصفة للشلل لا للسلام
الغرب لا يطرح شروطه على الفلسطينيين من باب الإنصاف، بل لضمان بقاء الوضع على حاله. تلك الشروط تشمل:
- الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية، وهو مطلب ينفي حق العودة ويقوض أي أساس لتوازن سياسي.
- تجريد الدولة الفلسطينية من حقها في المقاومة أو امتلاك أي قوة عسكرية.
- بقاء المستوطنات الكبرى، مما يقطع الضفة إلى دويلات معزولة.
- عدم الاعتراف بالقدس عاصمة فلسطينية، ما يعني حرمانها من رمزية وواقع سيادي.
هذه الشروط تجرد حل الدولتين من معناه، وتحوله إلى حكم ذاتي موسع تحت إشراف الاحتلال. الغرب يدرك أن هذه المعايير تمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة، لكنه يحتفظ بها ضمن الخطاب الدولي لأنه لا يريد أي تغيير جذري في الواقع.
ثالثًا: المنظور الاستراتيجي للغرب: فلسطين كملف تحكم لا قضية عدالة
الغرب يتعامل مع القضية الفلسطينية كأداة لضبط المنطقة السياسية:
- إسرائيل تمثل "القلعة" الاستراتيجية في الشرق الأوسط، ووجودها القوي يخدم المصالح الغربية.
- الاحتفاظ بالقضية معلقة يسمح بإدارة الشعوب العربية عبر التلاعب بمعاناتهم، واحتواء غضبهم.
- التطبيع مع أنظمة عربية يتم تسويقه على أنه تقدم في السلام، في حين أنه تطبيع مع الاحتلال، بدون أي مكافأة فلسطينية حقيقية.
في هذا السياق، يفضّل الغرب استمرار الصراع في إطار يمكن السيطرة عليه، ويعمل على منع أي حلول جذرية قد تعيد تشكيل المنطقة أو تقلص النفوذ الغربي.
خاتمة:
الحقيقة التي ينبغي إدراكها أن "حل الدولتين" لم يكن ولن يكون أبدًا مشروع سلام حقيقي في ظل هذه الديناميات. إنه خطاب مزيف يخدم المصالح الغربية والإسرائيلية على حساب الحقوق الفلسطينية، وشروطه تعني عمليًا تصفية القضية لا حلّها. استمرارية هذا الخطاب تشير إلى سياسة طويلة الأمد قائمة على إدارة الصراع لا القضاء عليه.
إن استيعاب هذه الحقيقة هو الخطوة الأولى لأي محاولة تحريرية جدية، تتجاوز شعارات الغرب وتعيد الحقوق الفلسطينية إلى محورها الحقيقي: كرامة وعدالة وحرية.
خلاصة المقال:
- "حل الدولتين" هو شعار غربي يتم تكراره للتهدئة الإعلامية والسياسية، لا مشروع سلام حقيقي.
- الغرب لا يضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان أو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بل يدعمها عسكريًا وسياسيًا.
- شروط الغرب لحل الدولتين مثل الاعتراف بيهودية إسرائيل، تجريد فلسطين من السلاح، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، تجعل من الدولة الفلسطينية مجرد كيان بلا سيادة.
- القضية الفلسطينية تُستخدم كملف تحكم استراتيجي للغرب، لضمان التفوق الإسرائيلي وإدارة الغضب العربي بدون تغيير جذري.
- استمرار الصراع وإبقاء حل الدولتين "حلًا معلقًا" يخدم مصالح القوى الكبرى أكثر من الحقوق الفلسطينية.
- يجب تجاوز الخطاب الغربي المزيف والتركيز على استعادة الحقوق الفلسطينية الحقيقية من خلال استراتيجيات تحررية وعادلة.