فروق: إسرائيل في قبضة الراعي الصامت: هل تفككها أمريكا ببطء؟

Friday, May 9, 2025

إسرائيل في قبضة الراعي الصامت: هل تفككها أمريكا ببطء؟

في لحظة تاريخية يزداد فيها اضطراب الشرق الأوسط، تبهت الخطوط التي طالما رُسمت بين الحليف والوظيفة، بين الدعم والمصلحة. تبدو إسرائيل، التي نشأت كأداة استراتيجية غربية، وكأنها تقترب من نهاية دورة وظيفية طالت أكثر مما يجب. في المقابل، تلوح واشنطن في الأفق كمن يعيد ترتيب أوراقه بصمت، دون صخب المعتادين على الدعم غير المشروط. هناك شيء يتغير، لا يُقال صراحة، لكن يُقرأ في المواقف، يُفهم من التوقيت، ويُستنتج من اتساع المسافة بين الطرفين. ما يُقال في العلن لم يعد يُشبه ما يُفعل في الخفاء.


هل تفكك أمريكا إسرائيل بنفسها؟ — قراءة استراتيجية دقيقة

منذ العام 1948، كانت إسرائيل تمثل ذراعًا أميركية متقدمة في الشرق الأوسط، تخوض الحروب بالوكالة، وتُربك المحيط العربي خدمةً للمصالح الأميركية الكبرى. لكن في السنوات الأخيرة، بدأ يتشكل واقع استراتيجي جديد تتساقط فيه ركائز العلاقة التقليدية بين الطرفين. وتُطرح اليوم تساؤلات لم تعد نظرية: هل تفكك أمريكا إسرائيل بنفسها؟ ليس من باب العداء، بل من زاوية أن المشروع الإسرائيلي فشل وظيفيًا، وتحول إلى عبء، وربما إلى خطر محتمل حتى على راعيه الأميركي.

للإجابة الدقيقة، لا بد من تفكيك هذا التحول ضمن ستة محاور استراتيجية أساسية:


فشل المشروع الإسرائيلي وظيفيًا بعد 80 عامًا من الدعم

منذ قيامها، لم تحقق إسرائيل الهدف الاستراتيجي الذي دعمتها من أجله واشنطن: بناء كيان قادر على تثبيت التفوق الغربي في قلب المنطقة، ومنع تشكل قوة عربية موحدة أو مقاومة ذات طابع إقليمي. بعد أكثر من 80 عامًا، ما زالت إسرائيل محاطة بجبهات مقاومة، عاجزة عن فرض تسوية نهائية، وتُظهر هشاشة كبيرة أمام لاعبين غير دولتيين.

الولايات المتحدة بدأت تدرك أن المشروع الإسرائيلي لم يعد يُنتج استقرارًا وظيفيًا بل يُنتج أزمات متلاحقة تستنزف شرعيتها، وتضعها في صدام مستمر مع الرأي العام العالمي.


من "الدولة الحليفة" إلى "الكيان المستقل الخطر": خشية أميركا من تفلت إسرائيل

أحد أخطر التحولات هو ما بدأ يظهر من نزعة إسرائيلية نحو الاستقلال الاستراتيجي عن واشنطن. حكومة نتنياهو، وبدعم من اليمين المتطرف، بدأت تتحدث عن قرارات سيادية بمعزل عن التوجه الأميركي: هجوم بري شامل، رفض الهدنة، توسيع الحرب إلى لبنان، وربما ضرب إيران.

هذا الميل لا يهدد فقط وحدة القرار الغربي، بل قد يجعل إسرائيل، من وجهة نظر واشنطن، قوة خارجة عن السيطرة، قادرة على جرّ أميركا إلى حروب غير مرغوبة. ومن هنا تنشأ المفارقة: إسرائيل التي كانت أداة للضغط، تتحول الآن إلى عنصر تهديد حتى لحلفائها، وقد تكون أميركا مضطرة للحد من قوتها، لا تعزيزها.


التخوّف الأميركي من تحالفات إسرائيلية مستقلة خارج المظلة الغربية

تل أبيب بدأت تستشعر تراجع الدعم الأميركي والأوروبي، ولهذا شرعت، بخطوات غير رسمية، في نسج علاقات استراتيجية مع قوى غير غربية: الهند، أذربيجان، المجر، وحتى الصين وروسيا بشكل غير مباشر. هذه التحركات تثير مخاوف عميقة في واشنطن:

  • أن تُصبح إسرائيل بوابة نفوذ صيني أو روسي في الشرق الأوسط.
  • أو أن تستخدم نفوذها الاستخباراتي والتقني لتشكيل تحالفات ضد المصالح الغربية إذا أحست بالتخلي عنها.

واشنطن، وهي تراقب ذلك، قد لا تقبل بقيام "إسرائيل المستقلة"، بل قد تلجأ لتقليص دورها وضبطها، بل تفكيك استقلالها السياسي بشكل تدريجي.


الانسحاب الأميركي الناعم: من الدعم الكامل إلى "السكوت المريب"

من أبرز المؤشرات على تغيّر الموقف الأميركي هو صمتها الإعلامي الموجّه. منذ حرب غزة الأخيرة، بدأت وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية (سي إن إن، نيويورك تايمز، وغيرها) تُعطي مساحة أكبر لانتقاد إسرائيل، بل حتى لاتهامها بجرائم حرب، وهو ما لم يكن ممكنًا قبل سنوات.

واشنطن لا توقف هذه الحملات، ولا تردعها كما كانت تفعل، بل تبدو أحيانًا وكأنها تُرحب بها ضمنيًا. هذا السكوت قد يكون أداة استراتيجية لإضعاف صورة إسرائيل عالميًا، تمهيدًا لفك الارتباط العاطفي والسياسي معها، وخروج الولايات المتحدة من ورطة الدعم غير المشروط التي لم تعد قابلة للدفاع أمام الرأي العام العالمي.


التكلفة مقابل العائد: لماذا تستمر أميركا في تمويل مشروع غير مجدٍ؟

من منظور عقلاني بارد، لا يبدو أن الاستثمار الأميركي في إسرائيل ما زال يدرُّ عوائد استراتيجية. إسرائيل لم تعد قادرة على خوض الحروب بالنيابة، ولا على كسر محور المقاومة، ولا على حماية المصالح النفطية. بل تحولت إلى مهدد لاستقرار المنطقة، وعقبة أمام إعادة رسم تحالفات مع الخليج أو إنهاء الحرب في أوكرانيا.

كل دولار يُدفع لإسرائيل الآن يُقابله سؤال داخل النخب الأميركية: ما الفائدة؟ ولماذا نستمر في دعم كيان لم يحقق أهدافه، وأصبح عبئًا أخلاقيًا واستراتيجيًا؟


نحو تفكيك وظيفي لا مباشر: كيف تنسحب أميركا من مشروعها القديم؟

أميركا لا تُفكك إسرائيل بقصفها أو الانقلاب عليها، بل عبر تفكيك دورها:

  • تقليص الدعم العسكري الحقيقي (رغم استمرار التصريحات الداعمة).
  • خنق الدعم الإعلامي، وفتح المجال للانتقاد.
  • الضغط لتغيير القيادة السياسية الإسرائيلية.
  • احتواء إسرائيل ضمن منظومة تحالفات جديدة في المنطقة، تُضعف تفردها.

بهذا، لا تقتل واشنطن المشروع الإسرائيلي دفعة واحدة، بل تفككه ببطء، حتى يتحول إلى "كيان طبيعي" لا يملك امتيازات خاصة، ولا قدرة على التحرك المنفرد، ولا وظيفة استراتيجية مميزة.


الخلاصة: إسرائيل مشروع انتهت صلاحيته؟

الولايات المتحدة، بوعي أو بتطور طبيعي للواقع، باتت تفكك إسرائيل من حيث الدور والمكانة لا من حيث الوجود الفيزيائي. ليس بدافع الخيانة، بل بدافع البراغماتية. لم يعد من المجدي صرف الموارد وحماية صورة مشوهة عالميًا، لمجرد التمسك بتاريخ تحالف لم يعد يخدم المصالح العليا.

ربما لم تعد إسرائيل في نظر واشنطن "مشروعًا يُراد له أن ينجح"، بل "مشكلة يُراد أن تُدار حتى تنتهي وحدها".


. . . في العمق يتجلى الفرق . . .