التقدم السريع في التسليح التركي بعد فشل الانقلاب: دعم روسيا والصين

في أعقاب فشل الانقلاب العسكري في تركيا عام 2016، لم تكتف أنقرة بإعادة ترتيب مؤسساتها الداخلية، بل دشنت مسارًا متسارعًا لتقوية قدراتها الدفاعية والانتقال نحو الاعتماد على الذات في صناعة السلاح. لم يكن هذا التوجه مجرد ردة فعل على محاولة السيطرة العسكرية، بل كان مشروعًا استراتيجيًا عميقًا استثمرت فيه الدولة موارد ضخمة، وتحالفت فيه مع شركاء خارجيين يمتلكون التقنية والخبرة، وفي مقدمتهم الصين وروسيا. 
وبمرور سنوات قليلة، برزت تركيا كدولة مصنّعة للسلاح، تُصدّر تقنياتها وتفرض بصمتها في ساحات الصراع.

التقدم السريع في التسليح التركي بعد فشل الانقلاب: دعم روسيا، الصين، وأثره على صناعة الدفاع المحلية

بعد فشل الانقلاب العسكري في تركيا عام 2016، شهدت البلاد تحولًا كبيرًا في مجال الصناعات الدفاعية والتسليح. هذا التحول جاء كنتيجة مباشرة لعدة عوامل، أهمها تطهير الجيش من عناصره الموالية للغرب، وتوجيه الاهتمام السياسي إلى الاستقلال العسكري. في هذا السياق، نناقش الدعم الخارجي من الدول الكبرى مثل روسيا والصين، وكيف ساهم ذلك في تقدم تركيا في هذا المجال الاستراتيجي.

الدور الروسي في دعم تسليح تركيا

صفقة S-400 — نقطة التحول الكبرى
في 2017، وقعّت تركيا صفقة مع روسيا لشراء منظومة الدفاع الجوي S-400، وهي واحدة من أكثر المنظومات تطورًا في العالم. كانت هذه الصفقة خطوة استراتيجية مهمة لتركيا، حيث أخرجتها عمليًا من الاعتماد على أنظمة حلف الناتو، وأحدثت توترًا مع الولايات المتحدة الأميركية، مما دفع تركيا إلى البحث عن سبل جديدة لتعزيز قدرتها الدفاعية بشكل مستقل.

الصفقة مع روسيا كان لها تأثير بعيد المدى على تطوير القدرة الدفاعية التركية، حيث فتح الباب أمام توطين الصناعات العسكرية. كما أحدثت الصفقة تحولًا في المواقف السياسية التركية، حيث تم تسويقها كدليل على السيادة الوطنية واستقلال القرار العسكري.

التنسيق العسكري في سوريا — فائدة اختبار الأسلحة التركية
منذ اندلاع الحرب في سوريا، دخلت تركيا في عدة عمليات عسكرية ضد الجماعات الكردية والإرهابية في شمال سوريا. على الرغم من أن روسيا كانت تدير الأوضاع على الأرض في مناطق معينة، إلا أنها سمحت لتركيا بتنفيذ عملياتها العسكرية. هذا التنسيق الميداني بين روسيا وتركيا أعطى الأخيرة فرصة لاستخدام أسلحتها المحلية في بيئة حرب حقيقية.

في هذه العمليات، تم اختبار العديد من الأنظمة الدفاعية التركية، مثل الطائرات المسيّرة (بيرقدار TB2)، والمدافع، والصواريخ، مما ساعد على تحسين قدرات التصنيع المحلي وتوسيع نطاق استخدامها في مناطق النزاع.

تحييد خطر التصدير الروسي للسلاح الإقليمي
لم تكن روسيا معارضة لتصدير تركيا للسلاح المحلي، مثل الطائرات المسيرة، إلى بعض المناطق الحساسة، حيث استخدمتها تركيا في مناطق النزاع مثل ليبيا وأذربيجان. هذا التوجه من روسيا كان جزءًا من تفاهمات استراتيجية أكبر، حيث كانت روسيا على استعداد لتمرير التسليح التركي طالما لم يؤثر ذلك بشكل كبير على مجال نفوذها المباشر، مثل سوريا أو إيران.

الدور الصيني في تسليح تركيا

على الرغم من أن الدعم الصيني لتركيا في مجال التسليح كان أقل وضوحًا مقارنةً بالدعم الروسي، إلا أن الصين لعبت دورًا هامًا في تقديم بعض التقنيات العسكرية التي ساعدت في تطوير الأسلحة التركية في فترة ما قبل 2016.

التعاون في مجال الدفاع الجوي والصواريخ
في بداية العقد الماضي، كانت تركيا تفكر في شراء منظومة دفاع جوي صينيّة (FD-2000)، وهي نسخة من نظام HQ-9 الصيني. ورغم أن الصفقة لم تتم بسبب اعتراضات حلف الناتو، فإن العلاقات الدفاعية التركية-الصينية ساعدت تركيا على الاستفادة من بعض التقنيات الصاروخية الصينية.

التعاون في تصنيع المحركات والرادارات
في مجالات أخرى مثل المحركات والرادارات، استفادت تركيا من التعاون مع الصين وبعض الشركات الصينية التي قدمت خبرات متقدمة في تصنيع بعض المكونات الضرورية. هذا التعاون ساعد في إرساء أسس التصنيع المحلي التركي.

دور القيادة التركية في تسريع تقدم التسليح المحلي

على الرغم من الدعم الخارجي من روسيا والصين، إلا أن القيادة السياسية التركية كانت المحرك الأساسي لهذا التقدم في مجال التسليح. عبر سياسات حكومية صارمة، تبنّت الحكومة التركية فلسفة الاستقلال العسكري بشكل لا رجعة فيه، وكان هذا جزءًا من استراتيجية أوسع لتعزيز السيادة الوطنية.

عقب فشل الانقلاب، قررت الحكومة التركية الاستثمار بكثافة في الصناعات الدفاعية المحلية، حيث ضخت الأموال في الشركات التركية الخاصة مثل Baykar وAselsan وRoketsan. هذه الشركات بدأت في تصميم الطائرات المسيّرة والأنظمة الدفاعية المتطورة، مثل الطائرات الحربية النفاثة والصواريخ الموجهة.

أحد التوجهات الأساسية في الاستراتيجية التركية كان التوطين الكامل للأنظمة الدفاعية. فعلى سبيل المثال، تم العمل على تطوير محركات الطائرات المحلية، وأنظمة التحكم، والذخائر المتقدمة، وهو ما جعل تركيا أقل اعتمادًا على التقنيات الغربية.

الخلاصة

الدعم الروسي والصيني كان داعمًا ولكن غير مباشر في تقدم تركيا في مجال التسليح. بينما قدمت روسيا الدعم عبر صفقة S-400 والتنسيق العسكري في سوريا، مما فتح المجال لاختبار الأسلحة التركية في ساحة المعركة، قدمت الصين بعض الدعم التقني في مجالات مثل الدفاع الجوي والصواريخ. ومع ذلك، تظل القيادة السياسية التركية هي المحرك الرئيسي وراء تقدم التسليح التركي، عبر التوطين الكامل للتقنيات العسكرية ودعم الشركات المحلية.

إجمالًا، يمكن القول إن فشل الانقلاب كان نقطة فاصلة في تعزيز قدرة تركيا على الاستقلال العسكري، وهو ما أتاح لها الدخول في نادي الدول القوية صناعيًا وعسكريًا على الساحة العالمية.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.