
فشل الانقلاب التركي وتراجع الهيمنة الأمريكية: تعاون تركي-روسي يعيد رسم توازنات الشرق الأوسط
شهدت منطقة الشرق الأوسط خلال العقود الأخيرة هيمنة أمريكية واضحة، خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وغزو العراق عام 2003، وتوسع النفوذ العسكري الأميركي في الخليج، وسوريا، وأفغانستان. غير أن محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016 كانت لحظة فارقة، أضعفت من نفوذ الولايات المتحدة، ومهدت لمرحلة جديدة من التعاون الروسي–التركي، مما ساهم في إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية بطرق لم تكن واردة قبل ذلك.
أولًا: فشل الانقلاب العسكري وتقويض النفوذ الأميركي في تركيا
ارتباط جزء من الجيش التركي بالغرب
الجيش التركي، تاريخيًا، كان يُعد أحد أهم أدوات الولايات المتحدة في المنطقة عبر بوابة حلف الناتو. وكانت واشنطن تعتمد عليه كمركز ثقل عسكري وإيديولوجي في مواجهة القوى الإقليمية، لا سيما إيران، وكمُنفذ لمصالحها في البحر الأسود والبلقان.
محاولة الانقلاب عام 2016 أظهرت أن تيارًا كبيرًا داخل الجيش كان على تناغم مباشر أو غير مباشر مع الدوائر الغربية، خاصة مع وجود فتح الله غولن (الذي تتهمه أنقرة بتدبير الانقلاب) في الولايات المتحدة، ورفض واشنطن تسليمه رغم الإلحاح التركي.
ما الذي خسرته أميركا؟
- ثقة أنقرة بالحليف الغربي أصبحت مهزوزة.
- تركيا أعادت النظر في علاقتها مع واشنطن والناتو، وبدأت بتنويع شراكاتها الاستراتيجية.
- القواعد العسكرية الأميركية في تركيا، وعلى رأسها إنجرليك، لم تعد محمية سياسياً كما كانت.
ثانيًا: تصاعد التعاون الروسي–التركي بعد الانقلاب
بعد فشل الانقلاب، سارع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الاتصال بنظيره التركي أردوغان، معبرًا عن دعم موسكو للشرعية، وهو ما لم تُظهره العواصم الغربية في الساعات الأولى. هذه المبادرة الروسية كانت لحظة سياسية فارقة أدت إلى تغير جذري في تموضع تركيا الإقليمي.
النتائج المباشرة للتقارب الروسي–التركي:
- تركيا تحدّت واشنطن والناتو بشراء نظام دفاع جوي متقدم من روسيا.
- هذه الخطوة أخرجت تركيا فعليًا من مشروع الطائرة الأميركية F-35، وكسرت احتكار السلاح الغربي في الجيش التركي.
- تركيا وروسيا بدأتا تعاونًا ميدانيًا حذرًا في سوريا.
- موسكو سمحت لتركيا بشن عمليات ضد الجماعات الكردية في الشمال السوري، بشرط عدم المساس بمصالح الأسد.
- إنشاء مسار أستانا (روسيا، تركيا، إيران) كمنافس لمسار جنيف الغربي في حل الأزمة السورية.
- بدأت تركيا تُحاور روسيا وإيران كأنداد، بعيدًا عن المظلة الأميركية.
ثالثًا: إعادة رسم خريطة النفوذ في الشرق الأوسط
تراجع النفوذ الأميركي
- سوريا (خاصة شرق الفرات).
- ليبيا، حيث دعمت تركيا حكومة الوفاق بينما انحاز الغرب الضمني لقوات حفتر.
- القوقاز، حيث دعمت تركيا أذربيجان في معركتها مع أرمينيا (حليفة روسيا)، دون اعتراض روسي مباشر.
تقدم روسيا كلاعب موزّع للتوازنات
- احتواء تركيا سياسيًا دون صدام.
- تقسيم النفوذ معها في مناطق الصراع دون تدخل غربي.
- استخدام العلاقة مع أنقرة كوسيلة ضغط على أوروبا والولايات المتحدة، خاصة عبر ملف الغاز والطاقة.
تحوّل تركيا من تابع إلى لاعب مستقل
- تركيا لم تُصبح حليفة مباشرة لروسيا، لكنها أصبحت قوة إقليمية مستقلة التوجه.
- بدأت تتحرك ضمن محور متعدد الأقطاب: روسيا، الصين، قطر، أذربيجان، مع احتفاظها بعلاقاتها التكتيكية مع الغرب، ولكن بشروطها.
خلاصة:
الحدث | الأثر على الهيمنة الأميركية | المكسب الروسي |
---|---|---|
فشل الانقلاب في تركيا | خسارة حليف استراتيجي كان يعتمد عليه الناتو والولايات المتحدة | فتح قناة تعاون جديدة مع دولة ذات موقع جيوسياسي حساس |
صفقة S-400 | تقويض نفوذ الصناعات الدفاعية الأميركية | كسر احتكار الغرب لسلاح تركيا |
التعاون في سوريا | تقييد حرية الحركة الأميركية شرق الفرات | توزيع النفوذ مع تركيا دون صدام مباشر |
إعادة التموضع التركي | انفتاح تركيا على روسيا والصين | تعزيز النظام العالمي متعدد الأقطاب |
في المحصلة:
فشل الانقلاب في تركيا لم يكن مجرد انتصار لحكومة منتخبة على فصيل عسكري، بل كان بداية نهاية لفصل من الهيمنة الغربية على مفاصل القرار التركي. روسيا نجحت في استغلال هذه اللحظة لتشكيل محور تفاهم مع أنقرة، ساهم في تحجيم النفوذ الأميركي، وفتح الباب أمام نظام إقليمي جديد تتقاسم فيه القوى الكبرى—وليس أميركا وحدها—رسم خرائط التأثير والنفوذ في الشرق الأوسط.
. . . في العمق يتجلى الفرق . . .
