فروق: مشروع الدولة الكردية: حلم مؤجل أم ورقة جيوسياسية؟

Friday, May 9, 2025

مشروع الدولة الكردية: حلم مؤجل أم ورقة جيوسياسية؟

في خضم التعقيدات الجيوسياسية والتحولات الإقليمية، كان للأكراد خلال السنوات الماضية حضورٌ يلوح بالاستقلال والقيادة، ليبدو أنهم يشكلون قوة كبيرة على مستوى المنطقة. وفي ذلك السياق، نشأت تساؤلات عديدة ضمن الحوار السياسي: هل كان مشروع الدولة الكردية فكرة أمريكية تهدف لتعويض فشل إسرائيل في التوسع الإقليمي؟

لنستكشف هذا المزيج من التساؤلات عبر محاور متعددة.


1. ظهور قوة الكيان الكردي

من القوة الناشئة إلى الحلم الوطني

على أرض العراق وسوريا، برزت قوة الكيانات الكردية كحكم ذاتي فعلي. ففي العراق، شهد إقليم كردستان ما يشبه النموذج، مستنداً إلى قوات البيشمركة ومؤسسات حكومية نشطة منذ التسعينات. وفي سوريا، أسفر الصراع ضد داعش عن إقامة إدارة ذاتية تحت رعاية سياسية وعسكرية أمريكية.

الخريطة الرمزية:
يمكن تصور خريطة رمزية تُظهر:

  • إقليم كردستان في شمال العراق بنقاط تُبرز المدن الرئيسية.
  • مناطق شمال سوريا التي يديرها الأكراد.
  • المناطق التي ينتشر فيها تواجد كردي في تركيا وإيران.

هذه الخريطة تُعتبر أداة بصرية رمزية للإشارة إلى التوزيع الجغرافي والخلفية التاريخية للمشروع الكردي.

2. الدعم الأميركي والجانب التكتيكي

هل كانت الولايات المتحدة وراء كل شيء؟

تاريخ العلاقات الأميركية مع الكرد يظهر دورًا تكتيكيًا لا استراتيجيًا. فبعد التدخل في العراق عام 2003، ساعدت الولايات المتحدة في ترسيخ كيان كردي شبه مستقل، لكن هذا الدعم كان يرتبط بمصالح آنية:

  • دعم العمليات ضد داعش.
  • الضغط على إيران وتقييد نفوذ تركيا.

وعندما حانت لحظة إجراء استفتاء الانفصال في عام 2017، لم تتم الموافقة من قبل واشنطن، مما يشير إلى أن الدعم لم يكن لغاية إقامة دولة كردية مستقلة، بل كان أداة ظرفية تابعة لمصلحة أمريكية مؤقتة.

3. العلاقة مع إسرائيل: تقارب استراتيجي أم تكامل مضطرب؟

دعم إسرائيل وأهدافها في قلب الشرق الأوسط

على الرغم من أن إسرائيل تُعدّ خصمًا إقليميًا في أعين كثيرين، إلا أن علاقاتها مع القيادات الكردية شهدت فترات من التقارب السياسي والاقتصادي:

  • دعمت إسرائيل علنًا استفتاء استقلال كردستان العراق.
  • رأت إسرائيل في الأكراد حليفًا غير عربي يُساهم في تقييد نفوذ عدوها التقليدي، إيران.

مع ذلك، فإن هذا التقارب لم يتعدى حد الاستفادة من المصالح المشتركة، فإسرائيل نفسها لا تملك الإمكانيات لفرض مشروعها على أرض الكورد، بل تعتمد على دعم مؤقت لا يتعدى المرحلة التكتيكية.

4. هل كُلفت أمريكا بتعويض فشل إسرائيل في التوسع؟

مقارنة بين المشاريع – إسرائيل والكرد

يظهر أن مشروع الدولة الكردية نشأ من رغبة قومية ذات جذور تاريخية تفوق التلاعبات الخارجية. فقد كانت الأفكار الكردية بمثابة رؤية منذ أوائل القرن العشرين، قبل ظهور الدول التي تشكل اليوم معالم الشرق الأوسط.

  • مشروع إسرائيل التوسعي: له طابع ديني وسياسي خاص، وسعى لتحقيق "إسرائيل الكبرى" عبر توسعات معينة.
  • المشروع الكردي: حلمٌ قومي علماني يعتمد على الهوية والثقافة، ولا يتوافق طبيعةً مع هذا المشروع دون تغيير جذري في الحسابات الإقليمية.

يمكن القول إن كل من الولايات المتحدة وإسرائيل استغلا المشروع الكردي للضغط على جيرانهم، لكن دون التزام جدي بإقامة دولة مستقلة ومستدامة.

5. المواقف الإقليمية والشعبية: بين الريبة والرفض الصريح

كيف استقبلت شعوب ودول المنطقة المشروع الكردي؟

لم يكن مشروع الدولة الكردية، خاصة عند ظهوره بشكل بارز في العراق وسوريا، موضع ترحيب في الإقليم، لا شعبيًا ولا رسميًا.
الريبة كانت السائدة، خصوصًا لدى العرب والتركمان في العراق، والعشائر العربية في شمال سوريا، وحتى لدى الأقليات الأخرى التي خشيت من هيمنة قومية كردية قد تكرر أخطاء القوميات الأخرى في الإقصاء والاحتكار.

المواقف السياسية الإقليمية كانت أكثر حسمًا:

  • تركيا: اعتبرت أي كيان كردي مستقل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، وتدخلت عسكريًا عدة مرات في شمال سوريا والعراق.
  • إيران: واجهت المشروع بحذر شديد، وتحركت أمنيًا لمنع تمدده نحو أكرادها.
  • العراق: رغم منح الإقليم الحكم الذاتي، عارضت بغداد استفتاء 2017 وفرضت عقوبات، بل استعادت مناطق متنازع عليها بالقوة.
  • سوريا: لم تعترف مطلقًا بإدارة "روج آفا" الكردية، رغم تراجع سيطرتها الفعلية هناك في سنوات الحرب.

الموقف الدولي كان متذبذبًا:

  • أميركا دعمت الأكراد عسكريًا لمحاربة داعش، لكنها لم تدعمهم سياسيًا عندما تعلق الأمر بالاستقلال.
  • أوروبا تعاملت بحذر مع الطموحات الكردية، ولم تتخذ أي موقف داعم واضح.
  • روسيا، رغم نفوذها في سوريا، نسّقت مع تركيا وإيران للحد من توسع الأكراد.

شعبيًا، ساهم الإعلام العربي والتركي في خلق صورة سلبية عن المشروع الكردي، خاصة مع التركيز على العلاقة مع إسرائيل، أو اتهامات بتهجير السكان العرب في بعض المناطق السورية.

6. الخلاصة: مشروع بين مطرقة الواقع وسندان الطموح

أين تقودنا التحولات المستقبلية؟

يبقى مشروع الدولة الكردية رمزًا لحلم قومي طال انتظاره؛ حلم يتلاشى حين تتعارض المصالح الإقليمية مع رؤى الاستقلال. وبينما استمرت القوى الكبرى في استخدام الكرد كورقة تفاوض، ظل المشروع الكردي محتجزًا بين طموحات قومية وآليات السياسة الدولية.

الخريطة الرمزية في الختام:
يمكن استخدام الخريطة الرمزية التي تصور توزيع الأكراد عبر الحدود التقليدية للدول في المنطقة كرمز للتعقيد والجغرافيا المتشابكة، وللتأكيد على أن حلقة أحلام استقلالية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمفاصل السياسة الدولية.

في النهاية، يبقى السؤال المحوري: 

هل هو حلم مؤجل ينتظر فرصته، أم أن السياسة العالمية ستظل تُعامل القضية الكردية كأداة ضغط ظروفية؟

نهاية مؤجلة... أم ولادة لم تُكتمل؟

تأمل في مصير الحلم الكردي

في جبال زاغروس، وعلى سهول ديار بكر، وفي أزقة أربيل وقامشلي، لا يزال الحلم الكردي يرفرف مثل علمٍ لم تُكتمل خياطته.
حلمٌ مشبعٌ بأغاني المقاتلين، وبعيون الأمهات اللواتي يرسمن المستقبل في وجوه أبنائهن، رغم الخرائط التي لا تعترف بما تحت الجلد.

لكن السياسة لا تعترف بالأحلام الخالصة.
إنها تُهندس المصائر بمسطرة المصالح، وتوزع الحق والباطل وفق موازين القوة لا العدل.
وهكذا، تاه المشروع الكردي بين فصول التاريخ، كقصة أُحبِطت في منتصفها، لا لضعف الرغبة، بل لشدة الريح.

ربما لن تُكتب الدولة الكردية غدًا، وربما لا تُكتب أبدًا...
لكنها ستبقى فكرة تقاوم الفناء، وصوتًا في الذاكرة السياسية للشرق، يذكر الجميع أن الجغرافيا ليست فقط حدودًا، بل أحلامًا أيضًا.


. . . في العمق يتجلى الفرق . . .