التصعيد بين الهند وباكستان: بين الحسابات الداخلية والرهانات الإقليمية

في كل مرة يتصاعد فيها التوتر بين الهند وباكستان، تتجه الأنظار إلى الحدود المتوترة والخطابات النارية المتبادلة، بينما يغيب عن المشهد سؤال جوهري: لماذا يحدث هذا التصعيد في هذا التوقيت بالذات؟ فرغم تشعّب الأسباب التاريخية والجغرافية للنزاع، إلا أن تكرار التصعيد في لحظات سياسية حساسة يفتح الباب أمام قراءة أعمق، تكشف عن دوافع داخلية واستراتيجيات مدروسة تتجاوز مجرد العداء التقليدي. 
هذا المقال يحاول تفكيك دوافع التصعيد من كلا الجانبين، وتحليل كيف يُستخدم الصراع أداة سياسية في لعبة المصالح الوطنية والإقليمية. 

التصعيد بين الهند وباكستان: بين الحسابات الداخلية والرهانات الإقليمية

رغم أن التصعيد بين الهند وباكستان يُقدَّم غالبًا في إطار نزاع مزمن حول قضايا جيوسياسية، إلا أن العودة المتكررة للتوتر بين البلدين، خاصة في أوقات سياسية حساسة، يكشف أبعادًا أعمق تتعلق بالاستثمار السياسي الداخلي والاعتبارات الاستراتيجية لكل طرف.

الهند: التصعيد بوصفه أداة انتخابية واستراتيجية داخلية

في الهند، كثيرًا ما يرتبط تصعيد التوتر مع باكستان بمواسم الانتخابات أو الأزمات السياسية الداخلية. تلجأ الحكومات، خصوصًا ذات التوجه القومي، إلى اللعب على وتر العداء التاريخي مع باكستان لاستثارة المشاعر الوطنية، وتعزيز الالتفاف الشعبي حول السلطة. هذه الإستراتيجية تساعد في تغطية الإخفاقات الداخلية، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية، وتسمح للحكومة بتقديم نفسها كضامن قوي لأمن الهند القومي.

كما تستثمر الهند في عمليات محدودة أو في الخطاب المتشدد تجاه باكستان لتعزيز صورة "الردع" و"الحزم"، خصوصًا بعد أي هجمات تتهم فيها جماعات تنطلق من الأراضي الباكستانية، مما يساهم في بناء سردية حكومية قوية تُستخدم في الحملات الانتخابية.

باكستان: الردع، الشرعية، والرسائل الإقليمية

من جهة أخرى، لا يُفهم تصعيد باكستان كونه مجرد رد فعل، بل غالبًا ما يكون مبنيًا على اعتبارات داخلية شبيهة. فالحكومة الباكستانية، التي تواجه تحديات اقتصادية وضغوطًا سياسية مستمرة، تجد في التصعيد مع الهند وسيلة لحشد التأييد الداخلي وإعادة توجيه الغضب الشعبي نحو "العدو الخارجي". كذلك، تعزز هذه المواجهة موقف المؤسسة العسكرية التي تمثل مركز قوة تقليدي في الحياة السياسية الباكستانية.

إقليميًا، تستخدم باكستان التصعيد كمنصة لتسليط الضوء على قضية كشمير، ومحاولة استدرار التعاطف الدولي، أو لكسب نقاط أمام الصين أو أطراف إسلامية فاعلة في المنطقة. كما أن الظهور في موقع "المُستهدف" يتيح لها الحفاظ على علاقاتها الأمنية والدبلوماسية مع حلفاء إقليميين.

البعد النووي والاهتمام الدولي: التوتر كأداة تشويق سياسي وإعلامي

في قلب هذا التصعيد المستمر، تكمن حقيقة خطيرة لا يمكن تجاهلها: كل من الهند وباكستان دولتان نوويتان، ما يجعل أي توتر بينهما يحمل في طياته احتمالات كارثية تتجاوز مجرد اشتباك حدودي. هذا البعد النووي لا يزيد فقط من حساسية الوضع، بل يضيف إليه عنصر التشويق والتوتر الذي تستثمره وسائل الإعلام الإقليمية والدولية، بل وأحيانًا أطراف خارجية تجد في هذا الزخم فرصة لتعزيز مصالحها، سواء عبر صفقات تسليح، أو إعادة ترتيب التحالفات، أو حتى عبر توجيه الأنظار عن أزمات أخرى. بذلك، يصبح الصراع بين الدولتين أداة مزدوجة: ضغط إقليمي من جهة، واستعراض سياسي دولي من جهة أخرى.

خلاصة: توتر مُدار لخدمة الداخل والخارج 

رغم ما يبدو عليه التصعيد من خطر دائم لاشتعال مواجهة بين قوتين نوويتين، إلا أن سلوك الطرفين يعكس توترًا "مُدارًا" يُستخدم كأداة سياسية في المقام الأول. إذ تسعى كل دولة لاستثمار هذه الأزمة ضمن حساباتها الخاصة، سواء كانت داخلية أو خارجية، دون الوصول عادةً إلى نقطة الانفجار الكامل.

يبقى السؤال الأهم: إلى متى سيبقى هذا التوتر خاضعًا لحسابات السياسة دون أن ينفلت إلى واقع لا يمكن احتواؤه؟

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.