
الوهابية والتحالف االديني السياسي:
لم تكن الوهابية مجرد دعوة دينية، بل مشروعًا خرج منذ لحظته الأولى من رحم السياسة واحتياجات القوة، متوشحًا بغطاء العقيدة، وحاملًا في يدٍ "كتاب التوحيد"، وفي الأخرى "السيف النجدي". وبين من مجّدها بوصفها بعثًا جديدًا للإسلام، ومن رآها أداةً لتجفيف روح الدين وتحويله إلى جهاز طاعة، يبقى السؤال مركزيًا: هل كانت الوهابية مشروعًا إصلاحيًا مخلصًا؟ أم أنها – في جوهرها – تحالفًا استراتيجيا لخدمة سلطة ناشئة تطلب الغطاء الشرعي؟
هذا التحالف لم يكن دينيًا فقط، بل كان تأسيسًا لكيان سياسي جديد يقوم على ثنائية:
لم تكن العقيدة تقود الدولة، بل الدولة التي تصوغ العقيدة بما يخدم استقرارها.
ومن هنا جاءت الفتاوى الرسمية لاحقًا لتحرّم المظاهرات، وتجرّم الخروج على الحاكم، وتسوّغ استقدام الجيوش الأجنبية (كما حصل في غزو الكويت)، وتبرر التحالفات مع القوى الاستعمارية.
الوهابية والتصدير الإعلامي: من يملك الحق الحصري للإسلام؟
مع الطفرة النفطية، بدأ مشروع تصدير الوهابية عالميًا بوصفها "الإسلام الصحيح"، بدعم رسمي ضخم، وبخطاب يُقصي غيره:
إن السؤال الذي يُطرَح اليوم بإلحاح: هل نريد إسلامًا يُنتج الحُرية، أم إسلامًا يُسوّغ الطاعة؟
هل نريد دينًا يحفز على التفكير، أم دينًا يصوغ القطيع؟
وهل بقي في المشروع الوهابي مساحة للمراجعة، أم أنه أصبح سجنًا فكريًا يُعاد إنتاجه كلما احتاجت السلطة لتثبيت سلطانها؟
لم تكن الوهابية مجرد دعوة دينية، بل مشروعًا خرج منذ لحظته الأولى من رحم السياسة واحتياجات القوة، متوشحًا بغطاء العقيدة، وحاملًا في يدٍ "كتاب التوحيد"، وفي الأخرى "السيف النجدي". وبين من مجّدها بوصفها بعثًا جديدًا للإسلام، ومن رآها أداةً لتجفيف روح الدين وتحويله إلى جهاز طاعة، يبقى السؤال مركزيًا: هل كانت الوهابية مشروعًا إصلاحيًا مخلصًا؟ أم أنها – في جوهرها – تحالفًا استراتيجيا لخدمة سلطة ناشئة تطلب الغطاء الشرعي؟
لحظة التأسيس: حين امتزج الدين بالسيف
ولد محمد بن عبدالوهاب في قلب نجد (1703م)، في بيئة بدوية قبلية مضطربة، لا تعرف للدولة المركزية سبيلًا، ولا تملك مؤسسات علمية مؤثرة كالحواضر الكبرى في الحجاز أو الشام أو العراق. دعا الرجل إلى تجديد التوحيد ومحاربة ما اعتبره مظاهر شركية وخرافية، لكن دعوته لم تكتسب تأثيرًا فعليًا إلا بعد التحالف الذي جمعه بمحمد بن سعود، أمير الدرعية آنذاك.هذا التحالف لم يكن دينيًا فقط، بل كان تأسيسًا لكيان سياسي جديد يقوم على ثنائية:
الشرعية من الشيخ، والسلاح من الأمير.
من هنا وُلدت الدولة السعودية الأولى، لا بوصفها فقط "دولة دينية"، بل كمشروع سياسي توسعي وجد في الخطاب الديني وسيلة تعبئة وشرعنة للغزو والاستيلاء على القبائل والمناطق تحت راية "التوحيد".التجديد أم التحديد؟ إشكالية المحتوى العقدي
في ظاهرها، بدت الوهابية دعوةً إلى تصحيح العقيدة، لكنها – عمليًا – اتخذت منحى اختزاليًا صارمًا، اختزل الدين في مسائل التوحيد الحصري، وأقصى التعدد المذهبي، وضيّق دوائر الاجتهاد، وشن حربًا على المظاهر الصوفية والشعبية دون تمييز بين الموروث الخرافي والموروث الروحي.فهل هذا "تجديد"؟ أم "تحديد"؟
لقد بدا أن المشروع الوهابي يسعى إلى هندسة الإسلام نفسه، وتشكيله على صورة واحدة: صحراء ذهنية لا تعرف إلا الأبيض والأسود، الطاعة والبدعة، العقيدة والضلالة.الدولة تلبس العقيدة: من يقود من؟
بمجرد أن تحوّلت الدعوة إلى دولة، ظهرت ملامح التوظيف السياسي للدين بوضوح.لم تكن العقيدة تقود الدولة، بل الدولة التي تصوغ العقيدة بما يخدم استقرارها.
ومن هنا جاءت الفتاوى الرسمية لاحقًا لتحرّم المظاهرات، وتجرّم الخروج على الحاكم، وتسوّغ استقدام الجيوش الأجنبية (كما حصل في غزو الكويت)، وتبرر التحالفات مع القوى الاستعمارية.
الوهابية والتصدير الإعلامي: من يملك الحق الحصري للإسلام؟
مع الطفرة النفطية، بدأ مشروع تصدير الوهابية عالميًا بوصفها "الإسلام الصحيح"، بدعم رسمي ضخم، وبخطاب يُقصي غيره:
- كل ما هو أشعري مشكوك فيه
- كل صوفي متهم بالخرافة
- كل شيعي عدو عقائدي
- كل مخالف "ليس على السنة"
الوجه الآخر: أي إسلام نريد؟
ليست المشكلة في "الوهابية" كتيار فكري – فكل مدرسة تحتمل الجدل والنقد – بل في تحولها إلى دين رسمي للدولة، لا يقبل المناقشة، ويُنتج خطابًا شموليًا يربط الدين ببقاء النظام، ويجعل العقيدة امتدادًا لرغبات السلطة.إن السؤال الذي يُطرَح اليوم بإلحاح: هل نريد إسلامًا يُنتج الحُرية، أم إسلامًا يُسوّغ الطاعة؟
هل نريد دينًا يحفز على التفكير، أم دينًا يصوغ القطيع؟
وهل بقي في المشروع الوهابي مساحة للمراجعة، أم أنه أصبح سجنًا فكريًا يُعاد إنتاجه كلما احتاجت السلطة لتثبيت سلطانها؟