دول

السودان: من يملك حق القرار في الخرطوم؟ صراع العواصم على المستقبل

تبدو الحرب في السودان، عند سطحها، صراعًا على السلطة بين قوتين مسلحتين: الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. لكن خلف الدخان، تُدار لعبة أعقد بكثير؛ لعبة تتحكم فيها عواصم إقليمية ودولية تتنافس على رسم معالم السودان القادم. السؤال لم يعد: من يحكم الخرطوم؟ بل: من يمنح حق الحُكم؟ وكيف تحوّل القرار الوطني إلى ورقة مساومة تُنقل بين العواصم التي ترى في السودان بابًا جيوسياسيًا لثروات أفريقيا وممرّاتها الاستراتيجية. أولًا: الخرطوم.. عاصمة تُدار من الخا…

اليمن والسودان: حين تتحول الحروب بالوكالة إلى هندسة سياسية داخلية

لم تعد الحروب في العالم العربي تندلع فقط نتيجة صدامات داخلية أو خلافات سياسية تقليدية، بل أصبحت ساحات اختبار للقوى الإقليمية والدولية التي تسعى إلى إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية بما يخدم مصالح النفوذ والاستحواذ على القرار الوطني. في اليمن والسودان تحديدًا، لم يعد الاستقطاب الخارجي داعمًا لطرف أو موازِنًا لقواه فقط؛ بل صار أداةً لـ تصميم السلطة وفرض مسارات سياسية لا تُبنى على إرادة الشعوب، بل على رغبات العواصم المتدخّلة. وهكذا غدت الحرب بالوكال…

تايوان: تحالف التاجر والقاتل.. وإعادة هندسة النفوذ في المحيط الإندو-هادئ

منذ عقود وتايوان تُقدَّم في الإعلام الغربي بوصفها «جزيرة الديمقراطية الصغيرة» التي تتحدى التنين الصيني، وكأنها الحصن الأخير للحرية في وجه الاستبداد الشرقي. غير أن هذه الصورة المصنوعة بعناية تخفي تحتها شبكة معقدة من المصالح الصناعية والعسكرية والمالية التي تتشابك بصمت بين واشنطن وبكين. فالجزيرة التي تُنتج الرقائق الدقيقة التي تدير الاقتصاد الرقمي العالمي، باتت اليوم ساحة التقاء بين تكنولوجيات الغرب وطموحات الشرق، ومختبرًا لتجريب شكل جديد من الصرا…

أوكرانيا: الحرب الصامتة: البُنى التحتية للطاقة كساحة صراع

في خضم الصراع المشتعل في أوكرانيا، لم تعد المعارك تُقاس بعدد القذائف ولا بحجم الدمار في المدن، بل بالبنية التحتية التي تُصاب في صميمها. فشبكات الكهرباء، وأنابيب الغاز، ومحطات الطاقة النووية تحوّلت إلى جبهة خفية في حرب تتجاوز الميدان العسكري إلى هندسة الوعي والاقتصاد والسيطرة الجيوسياسية. هذه الحرب الصامتة تُدار عبر مفاتيح الضغط الطاقي، لا عبر فوهات البنادق فقط. سلاح الطاقة: معركة النفوذ قبل الدمار منذ اليوم الأول للحرب، أدركت موسكو أنّ السيطرة…

البرازيل: ريو دي جانيرو: عندما تقتل الدولة فقرها وتسمّيها حربًا على الجريمة

لا شيء يفضح زيف مفهوم “الأمن” مثلما تفعله مدينة ريو دي جانيرو. فحين تُرسل الدولة آلاف الجنود إلى أحيائها الفقيرة تحت عنوان «مكافحة الجريمة»، فإنها في الحقيقة تُعلن حربًا على الفقر ذاته، لا على الجريمة. فالعنف هنا ليس انحرافًا عن النظام، بل هو نتاجه؛ هو الأداة التي تُعيد بها الدولة رسم حدود السيطرة قبل أن تستقبل العالم في قمة المناخ المقبلة. ريو إذًا ليست مجرد ساحة مواجهة بين الشرطة والعصابات، بل مرآة تكشف كيف تقتل الدولة أبناءها باسم حماية المجت…

طوكيو: المدينة التي تسير بدقة وتتنفس بصمت

تبدو طوكيو من بعيد كتحفة هندسية للحداثة: مدينة تعمل بلا خطأ، وتتحرك بلا ضجيج. القطارات لا تتأخر، والشوارع نظيفة، والإيقاع الجماعي صارم كأن الزمن فيها آلة ضخمة لا تتوقف. غير أن هذا الانضباط المذهل يخفي خلف واجهته المضيئة مأزقًا إنسانيًا عميقًا: حياة يومية متقنة التنظيم، لكنها فارغة من الدفء، تذوب فيها الذات داخل نظام اجتماعي يُقدّس الانضباط حتى يلتهم إنسانية الإنسان. صباحٌ يبدأ قبل أن يُولد يستيقظ الياباني العادي في طوكيو قبل السابعة صباحًا، ليس …

السينما الهندية.. اللاواقعية كوسيلة للهروب الجمعي

في عالمٍ تتراكم فيه القسوة اليومية على جسد الإنسان العادي، لا يعود الواقع مادةً صالحة للفن، بل عبئًا يريد الناس نسيانه. من هنا تفهم عبقرية السينما الهندية: إنها لا تسعى إلى محاكاة الواقع، بل إلى كسره. لا تُعنى بخلق صورة واقعية للحياة، بل بصناعة حلمٍ جماعي مضاد للواقع ، حيث ينتصر المقهور، ويستعيد الضعيف سلطته الرمزية، ولو على شاشة وهمية. المبالغة كهوية فنية المشاهد “الهبلة” التي يسخر منها المتفرجون في العالم ليست سذاجة هندية، بل اختيارٌ فنيّ وا…

الصين: فسيفساء الأعراق خلف الواجهة الواحدة

يخيَّل للمتابع البعيد أن “الوجه الصيني” نمط واحد: ملامح مستديرة، عيون ضيقة، بشرة صفراء، وقامة قصيرة. هذه الصورة المألوفة في الإعلام ليست انعكاسًا للواقع، بل صناعة بصرية غربية عمرها قرن من الزمن، رسّخت في الذهن العالمي نموذجًا موحّدًا للشرقي “المتجانس”. لكن ما إن نقترب من الداخل الصيني حتى يتهاوى هذا التصوّر السطحي، فنجد أن الصين — رغم خطابها السياسي الموحد — ليست كتلة بشرية واحدة، بل فسيفساء من الأعراق والبيئات والتواريخ . تعدد الأعراق واتساع …

مدغشقر: على مفترق الطوارئ: تفكيك الأزمة، مقارنة ونماذج معرضة للخطر

ما حدث في مدغشقر في خريف 2025 لم يكن انفجارًا عابرًا لمطالب معيشية فحسب، بل مؤشرًا على هشاشة منظومات حكمٍ لم تعد قادرة على تحويل الموارد العامة إلى خدمات. شرارة انقطاع الماء والكهرباء التقت بغضب شبابي وطبقة حاكمة مستهلكة، فتحولت أزمة تقنية إلى أزمة شرعية. لفهم هذا التحول لا يكفي تتبّع الوقائع اللحظية، بل لا بد من تفكيك البنية السياسية والاقتصادية التي تولّد مثل هذه الانفجارات. الشرارة: أزمة خدمات أم فشل بنيوي؟ المشهد السطحي يروّج لفكرة بسيطة: ان…

ألمانيا الحديثة بين نقيضين: إدانة الإبادة ودعم الإبادة

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حاولت ألمانيا أن تبني هويتها الحديثة على نقيض ماضيها النازي. أقامت متاحف الذاكرة، ودرّست الأجيال دروس الندم، وقدّمت نفسها كنموذج أخلاقي جديد لأوروبا. لكن هذا الضمير الذي يتفاخر بإدانة الإبادة، بدا اليوم وكأنه يبرّرها حين تغيّر وجه الضحية. من ذاكرة الإبادة إلى تبريرها، سقطت ألمانيا في مأزق أخلاقي جديد يهدد جوهر سرديتها الحديثة كلها. ذاكرة الندم كهوية سياسية بعد الحرب، لم تكن ألمانيا تسعى فقط إلى الاعتذار عن جري…

من دموع الأبيض والأسود إلى ألوان الفرح: حكاية السينما الهندية

السينما الهندية ليست مجرد صناعةٍ ضخمة ولا تقليدٍ فنيٍّ عابر، بل هي ذاكرةُ وجدانٍ شعبيٍّ بأكمله. على مدى قرنٍ من الزمن، تغيّر شكل الشاشة ومضمونها، لكن بقي فيها شيءٌ لا يتبدّل: الشغف بالحياة. من أول لقطة بالأبيض والأسود إلى آخر مشهد مفعمٍ بالألوان والمؤثرات، ظلّت السينما في الهند تروي القصة ذاتها — قصة الإنسان حين يحلم ويغني ويبكي في آنٍ واحد . المرحلة الأولى: زمن العاطفة والدموع (من عشرينيات إلى خمسينيات القرن الماضي) في بداياتها، كانت السينما…

أوكرانيا: الأزمة ضمن السياسة العالمية الجديدة

الأزمة الأوكرانية ليست مجرد صراع إقليمي بين موسكو وكييف، بل أصبحت مسرحًا لاختبار التحولات الكبرى في النظام العالمي بعد الحرب الباردة. في هذا الإطار، يمكن تفكيك تأثيرها على السياسة العالمية الجديدة بعدة محاور: 1. إعادة تعريف التحالفات الاستراتيجية الأزمة دفعت أوروبا الغربية لإعادة النظر في بنيتها الدفاعية وعلاقاتها مع الولايات المتحدة: الاتحاد الأوروبي بدأ يكتشف حدود قدراته العسكرية الذاتية، مما يعيد تعريف سياسة الاعتماد على الذات في الدفا…

كولومبيا وإسرائيل: نقطة تحول في السياسة العالمية الجديدة

في خطوة جيوسياسية غير مسبوقة، أعلنت كولومبيا أمس طرد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية وقطع العلاقات التجارية المفتوحة، بعد تعرض الأسطول الإنساني المعروف بـ  “قافلة الصمود”  لاعتراض إسرائيلي. هذا القرار لا يمكن قراءته باعتباره مجرد تصعيد دبلوماسي عابر، بل هو مؤشر على  تحولات أعمق في السياسة العالمية الجديدة ، حيث تتبلور خطوط القوة بين الدول الكبرى والصغرى، وتتغير قواعد التحالفات التقليدية. 1. كولومبيا كحالة استثنائية في أميركا اللاتينية عادةً ما …

التوترات الأمريكية–الصينية: سباق النفوذ في المحيط الهادئ يقترب من نقطة حرجة

منذ نهاية الحرب الباردة، ظل المحيط الهادئ بمثابة الساحة الخلفية للهيمنة الأمريكية البحرية والاقتصادية. لكن صعود الصين السريع خلال العقدين الأخيرين قلب المعادلة، وحوّل المنطقة إلى مسرح مفتوح لصراع جيوسياسي معقّد يهدد بإعادة رسم موازين القوى العالمية. المحيط الهادئ: من "بحيرة أمريكية" إلى ساحة نزاع لعقود طويلة، كانت واشنطن تعتبر المحيط الهادئ امتدادًا طبيعيًا لنفوذها العسكري والتجاري، مع أساطيلها البحرية وقواعدها المنتشرة من اليابان إل…

الإضراب في إيطاليا من أجل غزة: لماذا يصرخ الغرب وتخرس الشعوب العربية والإسلامية؟

في مشهد بدا صادمًا لكثيرين، شهدت إيطاليا إضرابًا عامًا تضامنًا مع فلسطين، بينما اكتفت الشعوب العربية والإسلامية بالصمت أو بمواقف متفرقة محدودة التأثير. هنا يبرز سؤال جوهري: لماذا تتحرك بعض المجتمعات الغربية بقوة في مواجهة الظلم، بينما تصاب مجتمعاتنا بالشلل وكأنها عاجزة عن الفعل؟ ثقل القمع السياسي في العالم العربي العامل الأبرز يكمن في الجبر السياسي الذي يفرضه النظام العربي الرسمي. الأنظمة العربية لا تسمح لشعوبها بالتعبير الحر، بل تجرّم أي محا…

ترامب وصدامه مع الولايات: لماذا لم نشهد هذه الأزمة قبل عهده؟

لم يكن النظام الفيدرالي الأمريكي غريبًا عن التوترات بين الحكومة المركزية والولايات، لكن ما حدث مع ترامب منذ صعوده إلى المشهد السياسي شكّل نقلة نوعية في طبيعة هذه المواجهة. فقبل ترامب، كانت الخلافات بين البيت الأبيض والولايات تُدار عبر قنوات قانونية أو تفاوضية هادئة، أما معه فقد تحوّلت إلى صدام علني مباشر، أحيانًا مصحوبًا بتدخل عسكري أو إداري. فما الذي تغيّر؟ ولماذا لم نشهد مثل هذه الأزمات سابقًا؟ الفيدرالية الأمريكية: توازن هشّ تاريخيًا الولاي…

الفضيحة المحسوبة: لماذا سُمح لقضية إبستين بالظهور؟

لم تكن فضيحة جيفري إبستين مجرد قصة رجل منحرف سقط في مستنقع الرذيلة؛ بل كانت نافذة صغيرة كشفت ملامح شبكة نفوذ معقدة تربط المال بالسياسة بالاستخبارات. المثير للدهشة أن ملفًا ظل مطمورًا لعقود ظهر فجأة إلى العلن، ليُطرح السؤال الأعمق: لماذا سُمِح بفضحه أصلًا؟ هل كان ذلك بحثًا عن العدالة، أم مجرد عملية مدروسة لإغلاق الملف قبل أن يطيح بالبنية كلها؟ في الحقيقة، ما جرى لم يكن انكشافًا عفويًا، بل فضحًا محسوبًا، خُطط له بعناية لتبقى الأسرار الكبرى في الظل…

أوكرانيا ضد روسيا: حرب بالوكالة لأجل الغرب

منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، يتعامل الغرب مع أوكرانيا كأنها قضية "تحرير شعب" أو "دفاع عن الديمقراطية"، بينما في الحقيقة هي عقدة جيوسياسية تعكس صراعًا عميقًا بين روسيا والغرب على معنى الأمن والهيمنة. فحتى لو انتصرت واشنطن وبروكسل في معركة إخضاع كييف، لن تنتهي المعضلة، لأن الصراع لن يزول بضم أوكرانيا إلى الغرب، بل سيتحوّل إلى شكل جديد من "المنطقة المحايدة" بين روسيا وأوروبا. أوكرانيا: ضد روسيا… من أجل الغرب المفارق…

حماس بين الاستقلالية والمواجهة: تهديد طويل المدى للنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط

تتجاوز كراهية الولايات المتحدة لحركة حماس حدود الصراع العسكري أو الإرهاب المعلن؛ فهي تعبير عن صراع على النفوذ والهيمنة السياسية في الشرق الأوسط . حماس ليست مجرد منظمة مسلحة، بل نموذج للمقاومة المستقلة يرفض الوصاية الأمريكية ويهدد الهيمنة الإقليمية التي سعت واشنطن لإرسائها منذ عقود. هذا الصراع ليس عسكريًا فقط، بل سياسي وإيديولوجي وثقافي، حيث تمثل حماس تهديدًا مستدامًا للنظام الإقليمي الذي تدعمه واشنطن. 1. تهديد الهيمنة الأمريكية في المنطقة حماس …

تحميل المزيد
لم يتم العثور على أي نتائج