فروق: بين التحول الثقافي والطموح: ملامح واقع يتشكل ومآلات تنتظر

Saturday, May 10, 2025

بين التحول الثقافي والطموح: ملامح واقع يتشكل ومآلات تنتظر

تمر المملكة العربية السعودية بمرحلة تحول كبيرة في السنوات الأخيرة، حيث بدأت تشهد تغييرات عميقة في هويتها الثقافية والاجتماعية. من بلد كان محصورًا في تقاليد دينية صارمة، إلى سعي نحو تبني ممارسات ثقافية وفنية غربية، أصبح السؤال الأبرز هو كيف ستتعايش هذه التحولات مع قيم المجتمع السعودي. بين الطموحات الاقتصادية من جهة، والتحديات الثقافية من جهة أخرى، تظهر فرص جديدة ومخاطر قد تغير من شكل الهوية الوطنية. واقع هذا التحول وآثاره المحتملة في المستقبل.


بين التحول الثقافي والطموح الإقليمي 

تشهد المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة تحوّلًا ثقافيًا واجتماعيًا واسعًا أعاد تشكيل ملامح الحياة العامة بصورة عميقة. فالبلد الذي عُرف لعقود بهويته الدينية المحافظة أصبح ساحة لتجربة ثقافية جديدة تعتمد على الانفتاح، وتستمد أدواتها ورموزها من النموذج الغربي.
هذا التحول لا يمكن قراءته فقط من زاوية التغيير الاجتماعي، بل في سياق مشروع أوسع تسعى فيه الدولة إلى إعادة تموضعها على الساحتين الإقليمية والدينية، بوصفها قوة ناعمة ومركزًا للتأثير الثقافي والاقتصادي.


من المركزية الدينية إلى التعددية الثقافية

التحول البارز في المشهد السعودي يتمثل في تراجع المرجعية الدينية عن دورها المركزي في الفضاء العام، بعد أن كانت لعقود مرجعية رئيسية في التشريع والمجتمع والإعلام والتعليم.
حلّ محل هذه المرجعية نموذج ثقافي جديد يتجه نحو التنوع والتعددية، ويُظهر ميولًا واضحة نحو تبني مفاهيم الحداثة الغربية في الفنون، والترفيه، والحرية الفردية.

هذا التغيير لم يكن تدريجيًا أو ناتجًا عن تحولات فكرية من القاعدة الاجتماعية، بل جاء في سياق رؤية تحديثية شاملة تهدف إلى تحفيز الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل والانفتاح على العالم.


التحول في الأدوات: من القيم الدينية إلى أدوات الثقافة العالمية

مع تراجع الحضور المؤسسي للمرجعية الدينية، برزت أدوات جديدة لصياغة الذوق العام، تمثلت في مؤسسات الترفيه والثقافة والفنون، التي أخذت على عاتقها بناء نموذج معاصر للهوية الوطنية.
لكن اللافت أن هذه الأدوات تستند بشكل واضح إلى مرجعيات غربية، سواء في شكل الفعاليات أو رموزها أو فلسفتها.

هذا التغيير يعكس توجهًا لإعادة تعريف مفهوم "القوة الناعمة" السعودية، لكن باستخدام منظومة ثقافية غير منبثقة من الداخل، مما يطرح تساؤلات حول استدامة هذا النموذج وقدرته على تجذير نفسه داخل المجتمع.


الطموح القيادي في ظل التحول القيمي

بالتوازي مع هذا التحول الداخلي، تسعى السعودية إلى لعب دور قيادي في العالم الإسلامي، سواء من خلال تطوير مؤسسات دينية جديدة، أو عبر استضافتها لحوارات دولية باسم "الإسلام المعتدل".
لكن هذا الطموح يتقاطع مع سؤال جوهري:
كيف يمكن بناء مرجعية قيادية للأمة الإسلامية في ظل اعتماد متزايد على أدوات ثقافية مستوردة قد لا تمثل المزاج الإسلامي التقليدي أو الشعبي؟

إن هذه المفارقة تفتح بابًا واسعًا للنقاش حول شكل القيادة الممكنة في ظل التبدلات الجذرية في بنية المرجعية الثقافية، وتطرح تحديًا حول مدى مواءمة الهوية الجديدة مع الطموحات الإقليمية والدينية.


المآلات المحتملة: استقرار ثقافي أم انفصام اجتماعي؟

هذا التحول، وإنْ كانت له دوافعه الاقتصادية والسياسية، يخلق حالة ديناميكية معقدة داخل المجتمع السعودي.
فبين أجيال جديدة تنشأ في ظل النموذج الجديد، وأجيال سابقة تربت على النموذج الديني المحافظ، تبدو خطوط الانقسام واضحة، حتى وإنْ لم تكن معلنة.

النتائج المحتملة لهذا التحول تتراوح بين سيناريوهين رئيسيين:

  • السيناريو الأول: نجاح الدولة في خلق نموذج ثقافي جديد متماسك، يتجاوز مرحلة الانتقال، ويؤسس لهوية وطنية جامعة تستطيع أن تستوعب التعدد وتوازن بين الأصالة والمعاصرة.
  • السيناريو الثاني: نشوء فجوة قيمية تؤدي إلى انفصام مجتمعي، وعودة مظاهر التوتر بين القيم المستجلبة والهوية التاريخية، خاصة إذا لم تُواكَب هذه التحولات بحوار فكري داخلي يُعيد تعريف الذات بطريقة متزنة.


بين الواقع والطموح... مساحة تحتاج إلى تأمل

إن التحول الذي تشهده السعودية ليس محصورًا في مظهر أو سلوك، بل هو إعادة رسم جذرية لهوية الدولة والمجتمع، في سياق رؤية شاملة تحاول المواءمة بين الطموح العالمي والإرث المحلي.
لكن النجاح في هذا المسار يظل مرهونًا بقدرة الدولة على خلق توازن بين الأصالة والحداثة، دون الوقوع في أحد طرفي النقيض: لا الجمود الذي يُعطل التنمية، ولا التغريب الذي يُفكك الهوية.

يبقى السؤال معلقًا:
هل يشكّل هذا التحول بداية لنموذج سعودي جديد يمكنه أن يقود ويُلهم؟
أم أنه سيواجه تحديات داخلية معقدة بسبب الفجوة بين ما يُراد أن يكون، وما يختزنه المجتمع من تاريخ وهوية؟


. . . في العمق يتجلى الفرق . . .