
الطاغية لا يحكم شعبًا ... بل يصنعه
الاستبداد ليس لحظة انقلاب، بل مشروع طويل النفس.
لا يقوم فقط على السلاح، بل على تشكيل نفسي وأخلاقي للناس ليقبلوا، ثم يشاركوا، في قمع أنفسهم.
والطاغية الذكي لا يريد شعبًا موحّدًا، بل قطيعًا مزدوجًا:
"بقر" يُطيع ويكدّ، و"خنازير" تسرق وتبرر.
واحد يُبقي العجلة دائرة، والثاني يُبقي أفواه الجميع مغلقة.
البقر: حين تتحول الطاعة إلى عقيدة
البقر رمز البراءة الخانعة، ذلك الذي لا يعترض ولا يسأل.
يتعلم أن الصمت فضيلة، وأن الخوف حكمة، وأن التضحية للوطن لا تسأل: لمن؟ ولا من أجل ماذا؟
يُلقّن منذ نعومة أظفاره أن الطاعة أمان، وأن الخضوع "خلق كريم".
- إعلام يدرّبه على الرضا بالدونية.
- تعليم يُغلق أمامه أبواب التفكير.
- دين مُسيّس يُلبس الذل ثوبًا من ورعٍ زائف.
لكن ما لا يُقال للبقر، هو أن حليب الطاعة لا يُشكر عليه، بل يُستنزف حتى آخر قطرة… ثم يُرمى بلوم العجز.
الخنزير: حين يصبح الفساد طريقًا للنجاة
الخنزير هو الوجه الوقح للنظام نفسه، لا عدوّه.
يُربّى بعناية ليكون نموذجًا مغريًا ومرعبًا في آن.
هو السياسي الذي يسرق بوقاحة.
رجل الأعمال الذي يراكم الثروات فوق الجماجم.
المثقف الذي يبيع الكلمة، والشيخ الذي يؤجر الفتوى.
لكنه ليس طليقًا، بل جزء من المسرحية.
يُعرض أمام البقر كنموذج "النجاة الممكن" — لمن ينسى الضمير ويُبايع الانحطاط.
- يُترك يفسد، ليقنع الآخرين أن النزاهة خرافة.
- يُعلَّق كصورة لنجاح الفاسدين، وكابوس لأي نقيّ.
- يُقدَّم كبديل وحيد: إمّا أن تصير مثله، أو تُسحق بين قدميه.
التواطؤ المُخطط: لا توازن… بل تبادل أدوار
الخطير أن البقر والخنزير لا يتعايشان فحسب، بل يَخدم أحدهما الآخر.
هي علاقة تواطؤ، لا صدفة.
- البقر يخشى أن يتمرّد فيصبح خنزيرًا منبوذًا.
- والخنزير يحتاج البقر ليبقى في الأعلى، ويبرر نهبه بأنه "ثمن الاستقرار".
وهكذا تُغلق الدائرة:
طاعة مُهينة تُغذّي فسادًا وقحًا… وفساد يُخيف من أي خروج على الطاعة.
وفي هذا المشهد، يختفي الإنسان.
الإنسان: النموذج الممنوع
الإنسان لا يعيش في الحظيرة.
لا يقبل أن يُقاد كالبقر، ولا أن ينهش كالخنزير.
هو السؤال الذي لا يُستحب، والضمير الذي يُقلق الجميع.
يُطرد من النظام لأنه يزعجه: لا يطيع، ولا يفسد، بل يفكّر.
حين تُفكّ الحظيرة
يبدأ التغيير حين تنهار المعادلة.
حين تفهم "البقرة" أن خوفها هو غذاء "الخنزير".
وحين يدرك "الخنزير" أن قصره الذهبي ليس إلا قفصًا كبيرًا مدهونًا بالوحل.
حينها فقط...
يعود الإنسان إلى مكانه الطبيعي: خارج الحظيرة، في فضاء الحرية.
. . . في العمق يتجلى الفرق . . .
