اليابان: لماذا تقرر خوض معركة بحجم بيرل هاربر؟

في السابع من ديسمبر عام 1941، استيقظت الولايات المتحدة على ضربة مباغتة شنّتها اليابان على ميناء بيرل هاربر، فأدخلت أمريكا الحرب العالمية الثانية وغيّرت ملامح الصراع العالمي. لكن ما بدا كصدمة عسكرية مفاجئة يخفي وراءه شبكة معقدة من المصالح، والتحضيرات، وربما التغاضي المقصود. فهل كانت أمريكا غافلة حقًا، أم أنها احتاجت للهجوم كي تصنع المبرر الأخلاقي للحرب؟ ولماذا قررت اليابان خوض هذه المغامرة الانتحارية؟ هذا المقال يحاول تفكيك تلك اللحظة المفصلية وقراءة ما وراءها من سرديات.


لم تكن اليابان تتصرف بتهوّر أو انفعال حين قررت مهاجمة بيرل هاربر، بل كانت تتحرك وفق منطق استراتيجي بارد، تغذيه ثلاث دوافع جوهرية:

1. الطموح الإمبراطوري وسباق السيطرة في آسيا

في ثلاثينيات القرن العشرين، كانت اليابان تسير بخطى متسارعة نحو التوسع الإقليمي، فاحتلت منشوريا (1931) ثم شنت حربًا مفتوحة على الصين (1937)، وسعت للسيطرة على جنوب شرق آسيا الغني بالنفط والمطاط والموارد الاستراتيجية. في المقابل، كانت أمريكا ترى في هذا التمدد تهديدًا لمصالحها ونفوذها في المحيط الهادئ.

2. الحصار الاقتصادي الأمريكي: خنق متعمد

ردًا على غزو اليابان للصين، فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية خانقة على طوكيو، أهمها حظر تصدير النفط والحديد إليها. وقد كان هذا بمنزلة خنق استراتيجي لآلة الحرب اليابانية، التي كانت تعتمد بشكل شبه كلي على الواردات الأمريكية. الخيار الوحيد الذي رأته القيادة اليابانية هو كسر هذا الطوق بالقوة.

3. الضربة الاستباقية: تعطيل الخصم قبل أن يتحرك

آمنت اليابان أن أفضل وسيلة لتأمين توسعها الإقليمي هي توجيه ضربة قاصمة للأسطول الأمريكي في هاواي. بيرل هاربر كانت رمزًا للقوة البحرية الأمريكية في المحيط الهادئ، وضربها يعني إرباك أمريكا لعدة شهور، وهي فترة كافية - نظريًا - لتأمين النفوذ الياباني على آسيا وجزرها الحيوية.

أمريكا: صدمة أم صمت متعمد؟

هنا نصل إلى لبّ المفارقة. الرواية الرسمية الأمريكية تقول إن الهجوم كان مباغتًا وصادمًا. غير أن كثيرًا من الوثائق التي كُشف عنها لاحقًا تفتح الباب لتساؤلات لا يمكن إغفالها:

■ هل كانت واشنطن تعلم مسبقًا؟

تشير أدلة استخباراتية إلى أن أمريكا كانت ترصد تحركات اليابان وتفكك شيفراتها الدبلوماسية، وأن تحذيرات وصلت قبل الهجوم بساعات. ورغم ذلك، لم تُنقل هذه التحذيرات بفعالية إلى القيادة في بيرل هاربر، مما أدى إلى الكارثة.

■ هل كان روزفلت يبحث عن ذريعة؟

الرئيس فرانكلن روزفلت كان في موقف داخلي صعب: الشعب الأمريكي يرفض الدخول في الحرب العالمية، والرأي العام معزول ومنغلق. وكان دخول الحرب يتطلب هزّة وجدانية تدفع المجتمع الأمريكي إلى دعم الخيار العسكري. جاء الهجوم على بيرل هاربر بمثابة الذريعة العاطفية والسياسية المثلى.

■ صُدمة تُدار لا تُمنع

سواء كانت واشنطن تعرف تفاصيل الهجوم أو لا، فإن المثير هو أن الرد الأمريكي لم يكن ردًا مذعورًا، بل كان أشبه بمن كان ينتظر السبب الشرعي لإطلاق أكبر آلة حرب في التاريخ الحديث. فبعد يوم واحد فقط، أعلن روزفلت الحرب، وانقلبت أمريكا من دولة محايدة إلى قوة عسكرية شاملة غيّرت موازين الصراع العالمي.

صناعة "الصدمة": من بيرل هاربر إلى الحاضر

لا يُمكن قراءة بيرل هاربر فقط كدرس عسكري، بل كدرس في إدارة الوعي الجماهيري. إنها واحدة من أولى الحالات التي تم فيها توظيف صدمة وطنية مفاجئة لتبرير تحولات استراتيجية كبرى، وهو النموذج الذي تكرّر لاحقًا في أحداث أخرى، لعل أبرزها أحداث 11 سبتمبر 2001، التي أعادت إنتاج منطق "الضربة المفاجئة" لتبرير مشروع حرب عالمي جديد.

خاتمة: من يدير سردية الهزيمة؟

ما بين التوسّع الياباني والحصار الأمريكي والهجوم المباغت، تختفي طبقة أعمق من الصراع: سردية من يملك الحق في الصدمة. فبيرل هاربر، رغم أنها جرح أمريكي، أصبحت بوابة لصناعة سردية النصر، وتبرير كل ما تلاها من قصف نووي وتجريف لملايين الضحايا. إننا أمام لحظة تُظهر كيف تُدار الصدمات في غرف السياسة الكبرى، لا في ساحات المعارك فقط.

أحدث أقدم
🏠