المغول: حين ابتلع البحر جيوشها.. أسطورة البر تنهار عند السواحل

 
غزوات المغول البحرية وهزائمهم في البحر تمثل فصلًا فريدًا في تاريخ إمبراطورية اشتهرت بجبروتها البرّي، لكنها انكسرت أمام أمواج البحار. فعلى الرغم من القوة العسكرية الهائلة للمغول على اليابسة، إلا أن طموحاتهم في التوسّع البحري قوبلت بإخفاقات مدوية، خاصة في سواحل اليابان وجنوب شرق آسيا. تحليل موجز لأبرز الغزوات البحرية المغولية وأسباب فشلها:


أولاً: خلفية عن الإمبراطورية المغولية

أسّس جنكيز خان أعظم إمبراطورية مترابطة في التاريخ، وتمكن ورثته من غزو الصين وكامل آسيا الوسطى وصولًا إلى أوروبا الشرقية. لكن السيطرة على البحار كانت تحديًا مختلفًا تمامًا، فالمغول لم يملكوا تقاليد بحرية متجذّرة، كما أن طبيعة قتالهم كانت تعتمد على الخيالة والرماة، وهو ما يصعب نقله إلى البحر.


ثانيًا: غزوتا اليابان الفاشلتان (1274 و1281م)

الغزو الأول (1274م)

بعد استكمال قوبلاي خان (حفيد جنكيز خان) غزو الصين وتأسيس سلالة "يوان"، قرر إخضاع اليابان. أرسل أسطولًا بحريًا ضخمًا يضم 900 سفينة وقرابة 30 ألف مقاتل، معظمهم من الصينيين والكوريين تحت قيادة مغولية.

النتيجة: نجحوا في النزول على الشواطئ اليابانية لكنهم واجهوا مقاومة شرسة، ثم ضربهم إعصار بحري عنيف — أطلق عليه اليابانيون اسم "كامي كازي" (الريح الإلهية) — أدى إلى غرق السفن ومقتل الآلاف.

الغزو الثاني (1281م)

حشد قوبلاي خان هذه المرة أسطولين ضخمين، أحدهما من الصين والآخر من كوريا، بمجموع يفوق 140 ألف مقاتل، مما يجعله أحد أكبر الأساطيل في التاريخ حتى تلك اللحظة.

النتيجة: رغم التنظيم الأكبر، تأخر تنسيق الأسطولين، ومرة أخرى لعبت الطبيعة دورها، إذ ضرب إعصار مدمّر جديد الأسطول قبالة الشواطئ اليابانية، مما أدى إلى غرق معظم السفن ومقتل عشرات الآلاف.

التحليل: الغطرسة الإمبراطورية لم تأخذ بعين الاعتبار قسوة المناخ البحري، كما أن التنظيم اللوجستي الضخم فشل في التكيف مع بيئة بحرية غير مألوفة.


ثالثًا: الحملة على جاوة (1293م)

أرسل قوبلاي خان حملة إلى جزيرة جاوة (إندونيسيا اليوم) لمواجهة مملكة سينغاساري، مستعينًا بتحالف داخلي من أميرٍ جاوي منافس.

النتيجة: نجح المغول في البداية في النزول على اليابسة، لكن الحلفاء المحليين انقلبوا ضدهم، مما أدى إلى انسحابهم بعد تكبّد خسائر فادحة.

التحليل: كانت الحملة ناجحة عسكريًا في البداية لكنها فشلت سياسيًا واستراتيجيًا، وافتقرت لفهم طبيعة التحالفات والهويات الثقافية المحلية.


رابعًا: الحملة على فيتنام (أنام)

شنّ المغول حملات متكررة على ممالك جنوب شرق آسيا، ومنها مملكة فيتنام (داي فييت)، إلا أن الطبيعة الجغرافية الوعرة والفيضان والمستنقعات وحرب العصابات جعلت هذه الحملات استنزافية.

في الحملات الفيتنامية، كانت القوة البحرية ضرورية، لكن السفن المغولية لم تكن مناسبة للأرخبيلات والأنهار الضحلة.


لماذا فشل المغول في البحر؟

  1. نقص الخبرة البحرية: المغول شعب بدوي صحراوي، ليست له جذور بحرية أو ثقافة ملاحية.

  2. الاعتماد على حلفاء بحريين: مثل الكوريين والصينيين، مما جعل السيطرة الفعلية على الأساطيل ضعيفة.

  3. قوة الطبيعة: الأعاصير في اليابان، والبيئة الاستوائية في جاوة وفيتنام، لعبت دورًا جوهريًا في الهزائم.

  4. المبالغة في الثقة: اعتقاد المغول أن تفوقهم البري سينتقل آليًا إلى البحر.

  5. صعوبة الإمداد: لم تكن لديهم قواعد بحرية ثابتة، ولا نظام إمداد متماسك عبر المحيطات.

أحدث أقدم
🏠