
المجموعة الأولى: الإعلام
المقال (6): انقلاب الصورة – حين تتحول الضحية إلى جلّاد في العناوين
المقدمة
تقرأ عنوانًا في صحيفة عالمية: "الفلسطينيون يقصفون إسرائيل بالصواريخ". ثم تقرأ الخبر فتجد أن الغارات الإسرائيلية سبقت الرد الفلسطيني بساعات. يتكرّر المشهد في سوريا، واليمن، وبورما، وحتى فرنسا. فالعنوان يُجرّم رد الفعل، ويتغافل عن الفعل الأول. بهذا التلاعب الخبيث، يُعاد رسم المشهد إعلاميًا: المعتدي يتحول إلى مدافع، والمقهور إلى مخرّب، والجلاد إلى ضحية.
المسلمة المزعومة: الإعلام يعرض الوقائع كما حدثت، دون تحيّز
يُقال إن الصحافة هي مرآة الأحداث، وأن الخبر هو نقل للواقع دون إضافات. لكن صياغة العنوان، واختيار الكلمات، وترتيب التفاصيل، كلها أدوات قادرة على قلب الموازين، وتحوير السرد، وتحويل من يتعرض للظلم إلى متّهم.
الهدف منها: حماية صورة الحليف، وتشويه صورة المقاوم
حين تكون الدولة المُعتدية حليفة للنظام الإعلامي العالمي، يُصبح من الواجب التخفيف من صورتها، وتبرير أفعالها، أو على الأقل، تشويش الرواية المقابلة. أما المقاوم، أو الشعب الواقع تحت الاحتلال، فيُقدَّم كفاعل خارج السياق، عنيف، غاضب، يهدد الاستقرار... فتُنسى أسباب فعله، وتُمحى جذور مأساته.
الأساليب المستخدمة: هندسة السرد لصالح الجلاد
- عناوين تبدأ بالفعل المقاوم وتُسقط ما قبله (رد الفعل يصبح الفعل الوحيد).
- استخدام كلمات مثل "اشتباكات" أو "صدامات" بدلًا من توصيف دقيق (قمع، اجتياح، قتل...).
- قلب ترتيب المعلومات: الجريمة أولًا، ثم التبرير في الهامش أو يُحذف تمامًا.
- إخفاء أسماء الجناة عند كونهم من جهة "صديقة" والإلحاح على هوية الجاني حين يكون من "الآخر".
- الحديث عن "التصعيد" دون تحديد من بدأه، أو "القلق الدولي" الذي يُساوي بين القاتل والمقتول.
النتائج: شرعنة القمع، وتجريم المقاومة، وتضليل الوعي العام
تنتج عن هذه الأساليب صورة مشوهة للواقع، حيث يُعامل الاحتلال كصاحب حق، والمحتل كإرهابي. تُنسى القرارات الدولية، وتُطمس جرائم الحرب، وتُصنّف الانتفاضات كتهديد. وهكذا، يُعاد إنتاج الظلم في صورة قانون، والاستبداد في صورة استقرار.
الخاتمة: من يتحكم بالسرد، يتحكم بالعدالة
الحق لا يضيع حين يُكتم، بل حين يُروى بشكلٍ مشوّه. وإن كان السيف يقتل الجسد، فإن الكلمة تقتل الحقيقة. لذلك، علينا كقرّاء ومتابعين أن نتعلّم كيف نقرأ العناوين، لا أن نكتفي بها. فالوعي يبدأ حين نشكك في أوّل ما يُعرض علينا، لا حين نستسلم له.
كلمات مفتاحية
انقلاب السرد، عنونة الأخبار، التضليل الإعلامي، الضحية والجلاد، تزييف الواقع، قمع المقاومة، الاحتلال الإعلامي، العناوين المضللة، تغطية الحروب، تشويه الرواية
وصف الصورة المقترحة
عنوان صحفي كبير مكتوب فيه: "مسلحون يهاجمون القوات"، وخلفه مشهد بصري يُظهر بوضوح أن القوات تهاجم أولًا بمدرعات وجنود، بينما الطرف الآخر يحتمي بالحجارة أو الركام. الصورة تفضح التناقض بين العنوان والحقيقة. (صورة رمزية، أفقية، بدون كتابة مباشرة)