
المجموعة الثانية: الاستعمار، الحروب، والهيمنة المباشرة
المقال (2): السردية الغربية – كيف يُصبغ العنف بلون التنوير؟
المقدمة
تُروى الحروب الغربية دائمًا بلغة سامية: نشر القيم، الدفاع عن الحريات، مقاومة الطغيان، وتحقيق السلام. لكن خلف هذه السرديات "النظيفة"، تختبئ وقائع دامية من الغزو والاستغلال والإبادة. فكيف نجح الإعلام في تحويل مشاريع العنف إلى ملاحم إنسانية، وتلميع صورة المستعمِر بوصفه مبشّرًا بالتقدم؟
المسلمة المزعومة
أن الحضارة الغربية لم تكن فقط الأقوى، بل أيضًا الأعدل، وأنها حملت التنوير إلى شعوب مظلمة تجهل الحرية.
تُقدَّم جحافل الغزاة كرسل تمدين، والاحتلال كمُحفّز للتطور، والحروب الاستباقية كضرورات أخلاقية.
الهدف منها
الغاية من هذه المسلمة تكمن في:
- شرعنة العنف الغربي وجعله امتدادًا أخلاقيًا لتاريخه التنويري.
- طمس ذاكرة الشعوب المستَعمَرة وتحويلها إلى قصص إنقاذ بدل كفاح واحتلال.
- تثبيت المركزية الغربية بوصفها معيار التقدّم، ومرجعية الحكم على باقي الحضارات.
الأساليب المستخدمة
- إعادة كتابة التاريخ بحيث يبدأ من لحظة "التحرير" الغربي.
- التغافل عن الضحايا الحقيقيين وإبراز مآسي الغربيين فقط.
- إنتاج أفلام ووثائقيات ومناهج دراسية تصور المستعمر كمخلّص.
- إقصاء الأصوات المحلية، واحتكار رواية الأحداث من منظور المستعمِر وحده.
النتائج الواقعية
- تجريد الشعوب من سردياتها الأصلية.
- خلق شعور بالدونية الحضارية لدى الشعوب التي "استُنقذت" بالقوة.
- تطبيع الهيمنة الغربية بوصفها قيادة تاريخية لا يمكن تجاوزها.
- طمس الجرائم الاستعمارية وطمأنة الضمير الغربي داخليًا.
باسم التنوير، قُطعت رؤوس، ودُمّرت حضارات، وسُرقت ثروات. لكن السردية الإعلامية صنعت من ذلك قصة ملهمة عن التقدم والحرية.
الخاتمة
ليس أخطر من الرصاصة إلا الكلمة التي تبررها. السردية الغربية ليست مجرد تفسير، بل سلاح ناعم يُعيد تشكيل الوعي العالمي لتبرير السيطرة. من واجبنا أن نُعيد رواية التاريخ، لا بأقلام المنتصر، بل بأصوات الضحايا.