معركة العقيدة: إسرائيل: بعد ثمانية عقود كدولة احتلالية ومشروع غربي للسيطرة والتوسعة في المنطقة

لم يكن مجرد قصة احتلال فلسطين، بل جزء من مشروع غربي أوسع للهيمنة على الشرق الأوسط. منذ تأسيس الدولة عام 1948، كان الهدف المعلن والضمني ليس فقط السيطرة على الأرض الفلسطينية، بل إنشاء قاعدة للتوسع والهيمنة الإقليمية، بما يضمن السيطرة على الموارد، خطوط المواصلات الاستراتيجية، والتحكم بالقرار السياسي العربي. بعد أكثر من ثمانية عقود، يبدو أن المشروع لم يتحقق كما خطط له، واحتلّت إسرائيل فلسطين فقط، فيما لم تمتد المواجهات بشكل كامل لتشمل المنطقة بأسرها كما كان متوقعًا.

١- الاحتلال كخطوة أولى لمشروع أوسع

من منظور التحليل الاستراتيجي، تأسيس إسرائيل كان البداية لخطط متعددة المستويات:

  • السيطرة على فلسطين لتأمين موقع جيوسياسي محوري بين مصر وبلاد الشام.
  • تكوين دولة عملاء وسيطرة مباشرة على الموارد الحيوية (مثل المياه والأراضي الزراعية).
  • استخدام إسرائيل كقاعدة للتوسع لاحقًا عبر تحالفات مع القوى الغربية في مواجهة العالم العربي.

الاحتلال لم يكن غاية في حد ذاته، بل وسيلة لإرساء البنية الاستراتيجية للتوسع.

٢- لماذا لم يتم التوسع الفعلي بعد ٨ عقود؟

رغم القوة العسكرية والتكنولوجيا، هناك عدة عوامل أعاقت المشروع التوسعي:

  1. صمود الفلسطينيين: المقاومة الفلسطينية منذ النكبة وحتى الآن أظهرت قدرة غير مسبوقة على الصمود، ودفعت الاحتلال إلى حصر الصراع داخليًا.
  2. المجتمع الدولي: الضغوط الدولية، حتى لو كانت محدودة، حالت دون مهاجمة دول عربية كاملة أو ضم مناطق أوسع مباشرة.
  3. الحسابات الجيوسياسية الإقليمية: القوى الإقليمية مثل مصر، سوريا، العراق، وحتى إيران لاحقًا، شكلت رادعًا طبيعيًا ضد توسع إسرائيل الفعلي خارج الحدود الفلسطينية.
  4. اعتماد الاحتلال على التحالفات الغربية بدل التوسع المباشر: إسرائيل لم تضطر لاحتلال دول بأكملها لأنها حصلت على النفوذ عبر الشراكات، التمويل العسكري، ودعم القوة الجوية والبحرية الغربية.

٣- الاحتلال الداخلي مقابل التوسع الخارجي

النتيجة العملية هي أن إسرائيل بقيت دولة احتلال محصورة:

  • الداخل الفلسطيني: كل المواجهات الرئيسية كانت مع الفلسطينيين، ولم تنجح إسرائيل في توسيع المواجهة إلى دول الجوار بصورة مباشرة.
  • الدولة والكيان الإقليمي: إسرائيل نجحت في النفوذ الاقتصادي والسياسي، لكنها لم تحول ذلك إلى احتلال مباشر شامل، فالمشروع التوسعي تحوّل إلى هيمنة غير تقليدية عبر التحالفات والتحكم في القرار الدولي.

٤- الفشل الظاهري أم التكيف الاستراتيجي؟

يمكن قراءة الوضع بعدة طرق:

  • فشل المشروع: لأن الهدف المعلن كان توسعًا فعليًا في المنطقة العربية، وهذا لم يتحقق.
  • تحوّل المشروع: إسرائيل لم تفقد الطموح، لكنها حولته إلى هيمنة غير مباشرة: تسيطر على القرار السياسي العربي عبر التحالفات، الاضطرابات الداخلية، وحرب المعلومات، دون مخاطرة باحتلال شامل يكلفها غطاء دوليًا أو مواجهات مباشرة طويلة.

٥- الدرس المستفاد

الاحتلال لا يقاس فقط بالأرض المُحتلة، بل بالقدرة على تحويل القوة إلى نفوذ دائم. إسرائيل استطاعت أن تجعل فلسطين مجرد نقطة البداية، وأن تحمي نفسها من الانجرار إلى توسع مباشر فاشل، لكنها لم تفقد مشروع الهيمنة الإقليمي:

  • السيطرة على الموارد والمنافذ الاستراتيجية.
  • التحكم في القرار العربي من خلال الحلفاء والتأثير الخارجي.
  • توجيه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي لصالح الاحتفاظ بالدعم الدولي المستمر.

الخاتمة

إسرائيل ليست مجرد دولة احتلال، بل هي جزء من مشروع غربي طويل الأمد للسيطرة على الشرق الأوسط. وفشلها في التوسع الفعلي بعد ثمانية عقود لا يعني انتهاء المشروع، بل تحول استراتيجي: من الاحتلال المباشر الشامل إلى الهيمنة الاقتصادية والسياسية غير المباشرة، مع حصر المواجهة العسكرية المباشرة داخليًا في فلسطين. وهذا يجعل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي محورًا مستمرًا في لعبة النفوذ الإقليمي، بينما يبقى الفلسطينيون خط الدفاع الحقيقي أمام تمدد المشروع في المنطقة.

سلسلة: فلسطين ومعركة العقيدة: من السلاح إلى الوعي

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.