
منذ سنوات لم يُرَ له أثر، ولم يعد اسمه يتصدر العناوين. ثم فجأة، يُقتل. بلا صور. بلا جثة. بلا شهود.
وكأنّ “المطاردة” انتهت حين انتهت الحاجة لها.
لكن اغتيال بن لادن لم يكن نهاية قصة، بل بداية فصل جديد في سردية “العدو الضروري”.
فبعد سنوات من صناعة أسطورته، كان لا بد من ختام يُغلق المرحلة، ويفتح المجال لمرحلة أخرى.
لم يكن الهدف تصفية رجل، بل تصفية دور.
ولم تكن التصفية أمنية، بل سردية.
لم تُعرض جثته، بل أُغرقت في البحر. لم تُفتح تحقيقات مستقلة، بل أُغلق الملف بإعلان رسمي عابر.
ثم صمتٌ طويل.
لكن الصمت لم يكن فراغًا، بل تمهيدًا لهندسة عدو جديد:
خرجت داعش من تحت الرماد، فجأة، متقنة التنظيم، متقنة الترويع، بلغة بصرية تستدعي أقسى غرائز الغرب.
عاد “الخطر الإسلامي” إلى الشاشة، لكن بشكل أكثر توحشًا، وأقل مركزية، وأكثر استعدادًا للاستخدام المحلي والدولي.
وبينما كانت أمريكا تُعيد رسم وجودها في الشرق الأوسط، وتحضّر للانسحاب من أفغانستان، كان “موت بن لادن” يُستثمر كإعلان نصر وهمي، يغطي على هزيمة استراتيجية.
لقد قُتل بن لادن حين لم يعد هناك ما يبرر استمراره حيًّا.
ثم تغيّرت بوصلات العداء.
صعدت إيران كعدو مذهبي-سياسي جديد.
ثم روسيا كعدو جيوسياسي.
ثم الصين كعدو اقتصادي.
لكن “الإرهاب الإسلامي” بقي كفزاعة احتياط، يُعاد تنشيطه عند الحاجة، كلما خفت الخوف، أو زاد وعي الشعوب.
العدو ليس شخصًا.
بل وظيفة.
وحين تنتهي وظيفة رجل، يُقتل. أو يُعلن قتله.
وحين تنتهي وظيفة جماعة، تُصفّى. أو يُعلن تصفيتها.
ثم يولد آخر… لأن المنظومة لا تعمل بلا عدو.
كلمات مفتاحية:
أسامة بن لادن، هندسة العدو، الحرب على الإرهاب، داعش، التوظيف السياسي للإرهاب، الانسحاب من أفغانستان، الإعلام الغربي، العدو الوظيفي، فزاعة الإرهاب، سرديات الهيمنة، التضليل الأمني، واشنطن وصناعة الأعداء
وصف الصورة المقترحة:
رجل غامض بملامح غير واضحة يقف في الظل، بينما تتبدل وجوهه في المرآة أمامه: مرة وجه بن لادن، ثم وجه زعيم داعش، ثم وجه خريطة إيران وروسيا، كأنّ الوجه ليس هو العدو، بل مجرد قناع يتغير حسب الحاجة.