
لم تعد السلطة تحتاج إلى شرطي في كل شارع، ولا إلى جلاّد في كل زنزانة. بل أصبحت تكتفي بشيء أذكى، أكثر تهذيبًا، أكثر خفّة... لكنها أكثر فتكًا.
إنها الخنازير الناطقة.
مخلوقات بشرية تم تصنيعها بعناية في مصانع السلطة:
تأكل من علف النظام، وتنطق باسمه، وتهاجم كل من تسوّل له نفسه أن يسأل، أو يشك، أو يرفع رأسه. لا تفكر، لكنها تتكلم. لا تعترض، لكنها تهاجم من يعترض.
الترويض الناطق: حين يُصبح القمع بلسان مدني
هؤلاء لا يلبسون بزات عسكرية، ولا يظهرون على شكل جلادين. بل هم إعلاميون، معلّقون، مغرّدون، نشطاء مزيفون، يلبسون أقنعة الوعي... ويتحدثون بلغة الطغيان.
حين تشتعل قضية عادلة، تجدهم أول من يشكّك.
حين يُقتل بريء، يبرّرون القاتل.
وحين ينهض شعب، يتهمونه بالجهل، بالفوضى، بالعمالة.
إنهم حراس المزرعة، لا بالسوط، بل باللسان.
تقنية الإنتاج: كيف تُصنع الخنازير الناطقة؟
لا شيء عشوائي. هؤلاء يُصنعون كما تُصنع النُسَخ:
- في مدارس لا تعلّم إلا الطاعة.
- في منابر دينية تُحرّف النصوص لصالح الحاكم.
- في إعلام يكرّر حتى يتحوّل الكذب إلى حقيقة.
- في بيئات اجتماعية تلعن "الخارج عن الصف" وتقدّس الخنوع.
ومع الوقت، تُصبح هذه الكائنات مستعدة للقتال... لا من أجل الحرية، بل ضدها.
الخنزير الناطق ليس غبيًا... بل مدرّبًا
لا تخطئ في فهمه: هو لا يجهل الحقيقة، بل يتجاهلها. لأنه اختار أن يربح الصمت بدل أن يدفع ثمن الصدق. باع صوته لمن يدفع أكثر، ولو كان الثمن خيانة المبدأ أو قتل الضمير.
بعضهم يفعل ذلك ليعيش، وبعضهم ليترقّى، وبعضهم لأنه صدّق الأكذوبة... ثم أصبح جزءًا منها.
وظيفته: قمع كل صحوة... من داخل المجتمع
حين يصرخ المظلوم، يقول له: "أنت ناشر للكراهية".
حين تحتج امرأة، يقول لها: "أنت ضد القيم".
حين يثور شاب، يقول له: "أنت عميل للخارج".
وحين تُقتل الحقيقة، يقول للعالم: "لقد ماتت وهي تفتعل المشاكل".
الخاتمة: أخطر أدوات الاستبداد ليست السلاح... بل الأصوات
الخنازير الناطقة هي جيش الاستبداد الناعم، جيش "الطعن من الداخل"، جيش التشكيك في المظلوم وتبرئة الظالم، جيش التسخيف، التهكم، قلب الحقائق.
لكن لكل آلة تاريخ انتهاء. ومهما علت أصواتهم، فإن الوعي إذا بدأ لن يصمت.
فلا تكن واحدًا منهم...
ولا تصمت عنهم.