
فلماذا لم تنهض إفريقيا؟ ولماذا يفتقر ملايين البشر فيها إلى أبسط مقوّمات الحياة؟
هل السبب في شعوبها؟ أم أن هناك قوى خارجية هندست هذا الانهيار منذ قرون؟
هنا نكشف البنية العميقة للمأساة الإفريقية، من النهب الاستعماري إلى التجهيل الممنهج، ومن الأنظمة العميلة إلى الهيمنة الاقتصادية الحديثة.
الاستعمار الأوروبي: سرقة منظمة باسم "الحضارة"
حين احتلت القوى الأوروبية إفريقيا في القرن التاسع عشر، لم يكن هدفها بناء أو تطوير القارة، بل استغلالها كمصدر للثروات الخام والعمالة الرخيصة:
- تم نهب الذهب والماس والنفط والكاكاو والمطاط بلا رحمة.
- تم اقتلاع ملايين الأفارقة من أراضيهم وشحنهم عبيدًا إلى المزارع والمناجم.
- رُسمت الحدود بشكل عبثي يقسم القبائل ويزرع الفتن.
هكذا تحولت إفريقيا إلى مستعمرة اقتصادية تُخدم مصالح الخارج، بينما تُترك شعوبها في الفقر والتهميش.
التجهيل الممنهج: سحق الوعي من الجذور
لم يكتف الاستعمار بنهب الأرض، بل عمد إلى تجريف العقول:
- تم تدمير النظم التعليمية والثقافية التقليدية.
- مُنعت اللغات المحلية، وتم فرض لغة المستعمر وثقافته.
- اقتصر التعليم على إعداد موظفين يخدمون الإدارة الاستعمارية، لا على بناء نخب مستقلة.
وهكذا خرجت الدول الإفريقية من حقبة الاستعمار وهي تعاني من ضعف بنيوي في الوعي، ومجتمعات غير مهيأة للنهضة.
الاستقلال الزائف: أنظمة تحرس المصالح الأجنبية
ما إن انتهى الاحتلال العسكري، حتى تم تسليم السلطة لنخب موالية، تابعة سياسيًا واقتصاديًا للغرب:
- تم تنصيب حكّام ديكتاتوريين يخدمون الاستعمار الجديد.
- اغتيل الزعماء الوطنيون المستقلون، كما حدث مع باتريس لومومبا.
- بقيت الشركات الغربية تتحكم في الثروات، والعقود، والسياسات.
النتيجة: دول تُدار كالمزارع الخاصة، لا تملك سيادتها ولا قرارها الاقتصادي.
الهيمنة الاقتصادية الحديثة: الاستعمار في ثوب مالي
حتى بعد الاستقلال الشكلي، ظلت إفريقيا رهينة للمنظومة المالية الدولية:
- صندوق النقد الدولي والبنك الدولي فرضوا سياسات تقشف كارثية.
- تم إغراق الدول بالديون، ثم استنزاف ميزانياتها في سداد الفوائد.
- الشركات متعددة الجنسيات تحتكر المناجم والحقول وتُهرّب الأرباح للخارج.
وبدل أن تبني الدول مدارس ومستشفيات، أصبحت تدفع للمقرضين أكثر مما تنفق على شعبها.
الإعلام: التستر على الجريمة الكبرى
ما يزيد الطين بلة هو التواطؤ الإعلامي الغربي في إخفاء الجريمة:
- تُصور إفريقيا كقارة "كسولة" و"فاشلة"، بلا ذكر لقرون النهب.
- يتم لوم الضحايا على فقرهم، وتبرئة الجناة من التاريخ والواقع.
- تُعتم الحقائق، وتُسَوّق سرديات تُبرر التدخل والاستغلال المتجدد.
النتيجة: وعي عالمي مشوّه، لا يرى أن ما يحدث في إفريقيا هو استعمار مستمر بثياب جديدة.
خلاصة نقدية: ليست إفريقيا فقيرة، بل مُفقَرة عمدًا
ليست إفريقيا قارة فقيرة بطبيعتها، بل قارة غنية نُهبت ثم جُوّعت.
وما نراه اليوم من فقر مدقع وتخلف خدماتي ليس إلا نتيجة هندسة استعمارية واعية، تواطأت فيها القوى الكبرى، والأنظمة المحلية، والمؤسسات المالية، والإعلام الدولي، لإبقاء إفريقيا في قاع العالم.