الهجرة المُدارة: سياسة النخب بين التحكم في الفائض السكاني واحتكار الثروة

في مشهد الدول النامية، حيث الفقر والبطالة يُستخدمان كذرائع حكومية، تبرز حقيقة مُرة لا تريدها النخب أن تُقال: الهجرة ليست نزفًا عشوائيًا للفقراء، بل سياسة مُدارة ومنهجية، تعكس موازين قوة داخلية وخارجية تخدم مصالح أقلية حاكمة على حساب الأغلبية.

اختلاق فرص العمل ليس محض خيال بل مشروع مرفوض

كل من يدعي أن الدولة عاجزة عن خلق وظائف جديدة، ينسى أن هناك إمكانيات ضخمة مهملة بحجة "عدم جدوى الاستثمار" أو "عدم توفر الموارد"، لكن في حقيقة الأمر، هناك مَن يرفض عن قصد:

  • لأن التوظيف الموسع يعني إعادة توزيع الثروة والسلطة، وهو خطر يرفضه النظام السياسي الذي يُحكمه نخبة متجذرة في الفساد والمحسوبية.
  • لأن اقتصاد الريع، الذي يربط النفوذ بالتحكم في الموارد غير الإنتاجية، لا يحتمل منافسة من قطاعات منتجة حقيقية قد تستقل بالعمالة المحلية.
  • لأن خلق فرص حقيقية قد يمهد لتشكيل طبقة وسطى فاعلة تقلب الطاولة على من يهيمنون اليوم.

الهجرة: صمام أمان لتجريف التوتر الاجتماعي وحماية النظام

في قلب إدارة الدولة تكمن الرغبة في الحفاظ على "الهدوء الاجتماعي" بأقل تكلفة:

  • شباب بلا عمل يعني شباب ثائر، والثورة هي آخر ما تريده أنظمة استبدادية تغطي فسادها بخطابات وطنية فارغة.
  • الهجرة كأداة لإفراغ الساحات الداخلية من أي قوة محتملة للتمرد أو المطالبة بحقوق.
  • توزيع السكان إلى الخارج يمكّن النظام من التحكم في الداخل عبر تقليل الأعداد المحتملة للمقاومة.

التحويلات المالية: رئة الاقتصاد الهشة

  • الدول التي تسمح أو تشجع الهجرة تعرف جيدًا أن أموال المهاجرين تُغذي اقتصادها المُنهك، وتوفر عملة صعبة تعيد تدويرها داخل النخبة.
  • التحويلات تجعل الاقتصاد محمولاً على أكتاف العمال في الخارج، بينما تبقى الدولة في الداخل مستهلكة للبنى التحتية غير القادرة على استيعاب الجميع.

غياب الإرادة السياسية: خيانة ممنهجة للتنمية

ليس العجز فنياً فقط، بل هو قرار سياسي:

  • الحكومات لا تريد تفكيك منظومة الفساد والاحتكار التي تنعم بها طبقة النخبة.
  • البرامج التنموية التي من شأنها تشغيل الجميع تُلغى أو تُهمش لصالح السياسات الليبرالية التي تقنن استغلال الموارد.
  • الضغوط الدولية عبر مؤسسات مالية تفرض تقشفًا وتجفيفًا لميزانيات التنمية الحقيقية.

الخلاصة: الهجرة ليست هروبًا فرديًا بل خطة نخبوية محكمة

تظل الهجرة في البلدان الأصلية لعبة محسوبة بدقة، ليست فقط فرارًا من الفقر، بل أداة للحفاظ على مصالح النخب، وتفريغ الاحتقان الاجتماعي، واستمرار اقتصاد ريعي هش يُدار بيد أقلية.

اختلاق فرص عمل حقيقي وإعادة توزيع الموارد لم يحدث ولن يحدث طالما النخب تحكم والفساد يعشش في مفاصل الدولة.

الهجرة إذن، ليست مأساة اجتماعية فقط، بل هي صيرورة سياسية واقتصادية معقدة تعكس تناقضات بنيوية يجب كشفها وفهمها بعمق.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.