
تُعرف محكمة الجنايات الدولية (ICC) بأنها أول محكمة دائمة تُعنى بمحاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم الحرب، جرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية.
وقد أُنشئت بهدف سدّ فراغ المحاكم المؤقتة، وتقديم العدالة للضحايا الذين تعذّر محاسبة مجرميهم في بلدانهم.
لكن من هو المتهم الحقيقي؟ وهل فعلاً تُمارس المحكمة العدالة دون تحيّز؟
الخطاب المعلن
تُعلن المحكمة عن نفسها كهيئة قضائية مستقلة:
- تتعامل مع قضايا الجرائم الأشد خطورة على المجتمع الدولي.
- تضمن عدم الإفلات من العقاب، خصوصًا عندما تفشل الدول في ملاحقة مجرميها.
- تحترم مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية إلا في حالات الجرائم الكبرى.
- تحظى بشرعية دولية عبر اتفاقية روما التي وقعت عليها العديد من الدول.
الجانب المظلم
انتقائية القضايا والملاحقات
- المحكمة ركّزت معظم قضاياها على دول أفريقيا، رغم أن جرائم كبرى حدثت في مناطق أخرى: الشرق الأوسط، أوروبا، أمريكا اللاتينية.
- دول كإسرائيل والولايات المتحدة وروسيا والصين لم توقع أو رفضت قبول اختصاص المحكمة، مما يجعلها خارج دائرة المساءلة الفعلية.
- استُخدمت المحكمة كأداة ضغط سياسي لاستهداف قادة معينين أو حركات تحرر، بينما تُغفل جرائم تحالفات كبرى.
ضعف التنفيذ والاعتماد على الدول
- المحكمة تعتمد بشكل كامل على الدول الأعضاء لتنفيذ الاعتقالات وتسليم المتهمين.
- غياب التعاون من بعض الدول، خصوصًا العظمى، يُعيق عمل المحكمة ويُفقدها القدرة على فرض العدالة.
- عدم وجود قوة أمنية مستقلة يجعل المحكمة مرتبطة بالسياسة الدولية لتنفيذ قراراتها.
هاجس السيادة الوطنية والتدخل الخارجي
- العديد من الدول ترى المحكمة تهديدًا لسيادتها، واعتبارها أداة لفرض إرادة الغرب.
- تُتهم المحكمة بالتدخل في الشؤون الداخلية، مما يخلق نوعًا من النفور والرفض، خصوصًا من الدول ذات التجارب الاستعمارية القاسية.
صورة المحكمة دوليًا متناقضة
- على رغم وجود عدد كبير من الدول الموقع عليها، إلا أن ثقة الشعوب والمجتمعات في المحكمة لا تزال محدودة.
- تُتهم المحكمة بتسييس عملها، وعدم اتخاذ مواقف شجاعة أمام قضايا شائكة.
- مواقف المحكمة أحيانًا تُفاقم النزاعات بدلاً من حلّها، خاصة حين تُعتبر استهدافًا لجماعات معينة.
تطوير وعي نقدي: خطوات نحو التحرر الفكري
- يجب التمييز بين فكرة العدالة الدولية كمطلب إنساني، وبين المؤسسات التي تمثلها وتخضع لتوازنات القوة العالمية.
- قراءة مواقف المحكمة وتحليلها في سياق الجغرافيا السياسية لا في فراغ قانوني.
- تعزيز الدعوات لبناء محاكم إقليمية أو وطنية أكثر استقلالية وفاعلية في محاسبة الجرائم.
- دعم جهود كشف التمويلات والضغوط السياسية التي قد تؤثر على عمل المحكمة.
- تشجيع الحوار حول مفاهيم السيادة الوطنية والعدالة الدولية لإيجاد توازن يحفظ الحقوق دون استغلال قانوني.
الخاتمة التحليلية
محكمة الجنايات الدولية تمثل خطوة نوعية نحو عالم لا يفلت فيه المجرمون من العقاب، لكنها للأسف تُمارس العدالة بشروط سياسية، تُغفل عنها القوى الكبرى، وتترك مساحات واسعة للإفلات من العقاب.
إنها أداة قانونية هامة لكنها ليست حارسًا نزيهًا للعالم، بل جزء من منظومة القوة التي تحدد من يُحاسب، ومن يُعفى، بناءً على اعتبارات نفوذ وتحالفات.
العدالة الحقيقية تظل حلمًا يتطلب إرادة سياسية حقيقية وحرية مؤسساتية أكبر.