الوصاية على المقاومة: كيف تُحاصر الإرادات الحرة سياسيًا واقتصاديًا؟

منذ أن برزت حركات المقاومة كقوى مستقلة تسعى للتحرر من الاحتلال والهيمنة، وُضعت في دائرة الاستهداف الدولي. فالمواجهة لم تعد عسكرية فقط، بل تحولت إلى حصار سياسي واقتصادي يُدار بذكاء، بحيث يُفرغ المقاومة من مضمونها دون الحاجة إلى سحقها ميدانيًا. إن ما يُسمّى بـ"الوصاية على المقاومة" هو الوجه الأكثر خفاءً للجبر السياسي، حيث يُسمح لها بالوجود كرمز، لكن يُمنع عنها أن تتحول إلى مشروع ناجز.

الحصار السياسي: ترويض عبر الشرعية الدولية

تُحاصر المقاومة بمطالب الدخول في "عملية سياسية" تحت شروط مسبقة، أي أن تُجرد من سلاحها أو من شرعيتها الشعبية قبل أن تدخل المفاوضات. المنظمات الدولية، بضغط القوى الكبرى، تُحوّل أي حركة مقاومة إلى طرف "غير شرعي" إن لم يقبل بقواعد اللعبة المفروضة. وهكذا يصبح خيار المقاومة محاصرًا بين صورتين: إمّا أن تبقى "إرهابية" في نظر النظام العالمي، أو أن تُطوَّع وتتحول إلى فصيل سياسي منزوع الدسم.

الحصار الاقتصادي: خنق الإرادة بالمال

الاقتصاد هو سلاح أكثر فتكًا من المدافع. أي تجربة مقاومة تتعرض لعقوبات، حصار مالي، وحرمان من الموارد الحيوية. الهدف ليس فقط إضعاف البنية العسكرية، بل ضرب القاعدة الاجتماعية التي تحتضن المقاومة. تحويل المجتمع إلى رهينة للجوع والبطالة يُجعل الناس يضغطون على المقاومة نفسها للتنازل. هذا الابتزاز الاقتصادي هو صيغة حديثة لإدارة الصراع دون الدخول في مواجهة مباشرة.

أدوات الوصاية: المفاوضات المشروطة

المفاوضات هنا ليست وسيلة لإنهاء الصراع، بل أداة لوضع المقاومة في قفص. يُفتح لها باب الحوار فقط إذا قبلت الشروط التي تُفقدها جوهرها. وإذا رفضت، تُصنّف إرهابية ويُستكمل الحصار. إنها معادلة لا تسمح للمقاومة بالانتصار، ولا تعطيها حق الهزيمة الشريفة، بل تُبقيها في مساحة رمادية تُستهلك فيها تدريجيًا.

المقاومة بين الرمزية والفعالية

الوصاية الدولية تريد المقاومة "رمزًا بلا مشروع". أيقونة إعلامية تُستحضر وقت الحاجة لتبرير مفاوضات أو لتجميل أنظمة، لكنها لا تُسمح لها بأن تترجم قوتها إلى استقلال حقيقي. والنتيجة: مقاومة محاصرة داخل سردية الآخر، محكومة بمعادلات التمويل والاعتراف الدولي أكثر مما هي محكومة بإرادتها الذاتية.

الخلاصة

الوصاية على المقاومة ليست فقط حصارًا سياسيًا أو اقتصاديًا، بل هي هندسة لإرادة الشعوب: السماح لها بالاعتراض ضمن حدود، لكن منعها من تحويل هذا الاعتراض إلى سيادة كاملة. إنها إدارة للصراع بوسائل ناعمة، تجعل التحرر يبدو مستحيلًا دون موافقة القوى الكبرى.

+
أحدث أقدم

ويجيد بعد المقال


تنويه: هذا المقال (أو المحتوى) يقدم تحليلاً إعلامياً موضوعياً، ويخلو تماماً من أي تحريض أو دعوة للعنف، ويعكس رؤية نقدية متوازنة للأحداث، مع الالتزام التام بالأطر القانونية والمعايير المهنية.